التعنت الإيراني يقلل فرص المفاوضات مع إدارة بايدن

التعنت الإيراني يقلل فرص المفاوضات مع إدارة بايدن
التعنت الإيراني يقلل فرص المفاوضات مع إدارة بايدن

تتوالى الخيبات على النظام الإيراني منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم في واشنطن، الذي أصيب بالنحس فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، تحديدا الملف النووي الإيراني، إذ كان العشم كبيرا في أن ينهي الرئيس الجديد معاناة سلفه الجمهوري الأقسى دونالد ترمب، صاحب حملة الضغوطات القصوى، التي أفسدت على النظام مخططاته التوسعية في المنطقة، التي عرته أمام شعبه بمشكلات الفقر والبطالة والفساد، من خلال هدر أموال الشعب الإيراني على مشاريع التسلح والتمدد الطائفي العبثي دون أي نتيجة تنعكس إيجابا على واقع الشعب الفقير، فلا عصا سحرية في يد الرئيس الأمريكي ولا أفق حقيقيا للحل بالمنظور الإيراني، لتزداد حالة الجفاء والقطيعة بين الدولتين، ولتقتصر التصريحات على العتب تارة وتارة أخرى على تهيئة الظروف لفرض الشروط سواء كانت لاتفاق نووي جديد أو لانفتاح كلي في العلاقات.
خابت عيون زرقاء اليمامة في توفير الرؤية الثاقبة لعلي خامنئي المرشد الإيراني الأعلى، فكانت النتيجة سوء تقدير للأوضاع على الرغم من الفتاوى، التي دعمت اللوبي الإيراني بالتصويت للرئيس بايدن أمام منافسه ترمب، ليأتي الرئيس المنتظر بشوق، لكن بدون أي فائدة وبحال لا تقل سوءا عن فترة حكم سلفه الجمهوري، فالخلاف - على حد قول الرئيس الأمريكي - يكمن في المبادرة للمحادثات، إذ تهدف واشنطن إلى كسب تنازلات من طهران، تمكنها من كسب اتفاق نووي جديد يكون أشد وأكثر صرامة من اتفاق إدارة أوباما عام 2015، لكن طهران وضعت الكرة في ملعب واشنطن بإلغاء العقوبات كشرط رئيس للتفاوض، وهذا ما ترفضه الدولة العميقة الأمريكية، فالمكاسب السياسية يبنى عليها ولا يتم التنازل عنها.
شهدت الذكرى الـ42 للثورة الإيرانية فشلا إراديا في إجراءات الوقاية الاحترازية الخاصة بجائحة كورونا، التي لم تمنع المرشد علي خامنئي من الظهور علنا أمام الجموع، لمطالبة واشنطن برفع العقوبات، مبينا أن بلاده ليست "في عجلة من أمرها" لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، معربا بمرارة عما يجري من أحداث، لكنه يحدد موقف بلاده الحازم تجاه المفاوضات بعبارات شديدة القسوة "إذا أرادوا من بلادنا الرجوع إلى الالتزامات التي أقرتها خطة العمل الشاملة المشتركة، فعلى واشنطن رفع جميع العقوبات، على أن يكون ذلك بالفعل وليس بالكلام، وبعد أن نتحقق من ذلك ونرى إذا ما تم رفع العقوبات بشكل صحيح فسنقرر الرجوع إلى الالتزامات، وهذه هي سياسة الجمهورية الإيرانية النهائية، التي لا رجعة فيها، وهي مسألة إجماع بين مسؤولي الأمة الإيرانية".
تصريحات المرشد خامنئي نفت أي جهود متعلقة بالعودة التدريجية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، كما أعلن الرئيس حسن روحاني - الفاقد صلاحياته الفعلية - دعمه لأي "مفاوضات مع الأعداء" في إطار المصالح الوطنية، مؤكدا أن بلاده ستفي بالتزاماتها حالما تنفذ الولايات المتحدة والأطراف الأخرى الالتزامات المطلوبة منها، على الرغم من تأييده لسياسات المرشد، إلا أن الرئيس روحاني قوبل بتهميش وعدم ثقة بإرسال محمد باقر قاليباف رئيس مجلس النواب إلى موسكو كمبعوث خاص أخيرا، بغرض تسليم رسالة عالية السرية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن بوتين أبى أن يستقبل قاليباف، - فيما يعد مراقبون - أن رفض الرئيس الروسي متفق عليه، من خلال قنوات سرية مع المرشد لتحجيم قايباف، وإضعاف دوره في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
صرح محمد قاليباف النجم الصاعد مستجديا إدارة بايدن بأخذ زمام المبادرة لإنهاء الأزمة التي تعيشها بلاده، من خلال دعوات "مرهفة" لإدارة بايدن، التي عدّها "خيبت" آمال شعبه بما وضعته من شروط مسبقة للإيفاء بتعهداتها أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، مطالبا إياها بعدم التعامل مع بلاده بسذاجة، ناقلا رسالة بطريقة براجماتية إلى حد ما بأن "إعادة العمل في أجهزة الطرد المركزي في محطة فوردو، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، ستكون ورقة قوية في يد الجهاز الدبلوماسي للضغط لرفع العقوبات".
إلى ذلك، بظهور خافت، طل محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني من نافذة صحيفة محلية، متوددا إلى المرشد الأعلى بأنه مستعد لتنفيذ أي سياسات، بغية الحفاظ على منصبه أو الحصول على منصب جديد في الإدارة الجديدة، مقتنصا الفرصة بإعادة توجيه الأنظار إليه، مروجا بأنه الأقدر على التعامل مع الأمريكيين والغرب وعرّاب اتفاق 2015، مبينا في الوقت ذاته أن دوره الشخصي في تحديد السياسة الخارجية لإيران هو "صفر في المائة"، مشيرا إلى أن هذا هو الوضع المتخذ في جميع الدول، إذ إن وزراء الخارجية هم منفذو السياسات وليسوا مقرريها، ذاكرا أنه لعب دورا أكبر في صياغة سياسات خطة العمل الشاملة المشتركة، ودورا أقل في السياسات الإقليمية، مدعيا أنه على غرار أي سياسي آخر يشغل منصب وزير الخارجية، يؤدي مهامه، وفي بعض الأوقات ينفذ سياسات لا يوافق عليها شخصيا.
تسعى الإداراة الإيرانية إلى رسم معادلة جديدة في المفاوضات مع واشنطن والغرب، من خلال بسط أرضية جديدة للمفاوضات، عمادها رجالات الحرس الثوري، خصوصا بعد انتهاء ولاية حسن روحاني، وانتخاب رئيس جديد تدل أغلبية المؤشرات على أنه سابق الذكر محمد قاليباف، الذي بدأ ضعيفا منذ بدايته في العمل الشوري، وكل مبتغاه الحصول على رضا المرشد الأعلى، الذي تمكن من القضاء على كل الأصوات الإصلاحية في البلاد سواء كانت في مؤسسة رئاسة الجمهورية أو القوات المسلحة أو مجلس الشورى، واضعا جميع الصلاحيات في يده وفي أدواته التنفيذية في الحرس الثوري، ليكون فريقه التفاوضي الجديد أكثر تشددا، ليحصل على تنازلات أكبر من الإدارة الأمريكية.
الجمود الأمريكي، بلا شك يبحث عن مخرج بأي مكسب، لكن لا يخفى على أحد أن إرث الرئيس السابق ترمب ثقيل جدا، وأنه كان يدير ملفات عالية الحساسية بيد من حديد، وهذه الأوضاع المرتبكة ليست إلا دليلا على تعقيد الملفات، التي ورثتها الإدارة الأمريكية الجديدة، وبذلك تتضاءل الفرص أمامها في ظل التعنت الإيراني بإسقاط العقوبات كشرط أساسي للمفاوضات النووية والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن تبقى أمام إدارة بايدن خيارات عدة أبرزها اللجوء إلى ضربة عسكرية محدودة، تجبر طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ما دون ذلك سيكون المتضرر الوحيد من هذه التحديات الدولة الإيرانية، التي تواجه عقوبات صعبة جدا.

الأكثر قراءة