إعادة هندسة النظام المصرفي

لا تختلف تجارة المصارف عن الشركات العادية من حيث تحقيق الأرباح، إلا أن التجارة المصرفية نقدية ذات حساسية مفرطة تجاه تعرض النقد لأي مخاطر ائتمانية إقراضية، ولذا تشدد المصارف على معايير الإقراض، فنتائج أي فشل إقراضي يؤدي إلى كوارث اقتصادية، ونتيجة لذلك تعتمد على الضمانات المفرطة.
على الجبهة المالية، ندرك أن معظم الأزمات تنشأ من النظام المالي، وفي الوقت نفسه النظام المالي منشأ الازدهار الاقتصادي لأي بلد، إلا أن استيعاب التغيرات ومتطلبات كل مرحلة اقتصادية، يحتم علينا مراجعة الأسس التي تساعدنا على تحقيق أهدافنا الاقتصادية والاجتماعية.
إن شروط إقراض قطاعات الأعمال الصغيرة والمتوسط والأفراد، لممارسة التجارة، لا تزال في مستويات منخفضة وصعبة في المملكة، ولا يمكننا إلقاء اللوم على أي جهة بقدر أهمية أن نعيد هندسة النظام المصرفي الحالي، لخدمة معادلة حساب الناتج المحلي، وتلك المعادلة المشهورة تعتمد على إنفاق الحكومة والمستهلكين واستثمار القطاع الخاص وصافي التجارة الخارجية، فمكونات وعناصر المعادلة لا تعمل ما لم يكن لديها نظام مصرفي يدير النقد على أساس الاستثمار والادخار وتوزيعه بين تلك القطاعات بعدالة اقتصادية لزيادة الإنتاجية التي ينشأ منها لاحقا نمو اقتصادي أو ما يعرف بالناتج المحلي وزيادة معدل الثروة الوطنية بين قطاعي الأسر الخاص، ثم إن النظام المصرفي كالقلب في تروية الأطراف الاقتصادية بالمال لضمان نشاط وحيوية جميع القطاعات - إن صح التعبير - ولا سيما أن النظام المصرفي الحالي يعتمد على الإقراض الاستهلاكي والعقاري.
إن الحوكمة العالية التي يتمتع بها نظامنا المصرفي وحجم النقد يجعلنا على ثقة بإمكانية أن نؤسس مصارف جديدة مختصة لإقراض الشركات المؤثرة في التجارة الخارجية، إضافة إلى تأسيس مصارف أخرى لتمويل قطاعات الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتمويل القطاع الزراعي والخدمات المهنية المختصة، كتمويل الأطباء والمهندسين والمزارعين.
شخصيا، أدرك تماما أن إقراض الأعمال والشركات له معدل مخاطر أعلى من إقراض قطاع المستهلكين بضمان الرواتب والدخل الشهري الكامل، إلا أنه لا يمكننا الطلب من مصارفنا الحالية أن تمول الشركات والأعمال الصغيرة والمتوسط بكثافة وفق النظام المصرفي الحالي.
الحل يكمن في إعادة هندسة النظام المصرفي ومراجعة أداء شركات التمويل غير المصرفية NBFCs وأثرها الاقتصادي، وفي الوقت ذاته نحن بحاجة إلى إلغاء نظام حبس الأفراد بسبب التعثر المالي، فالتعثر المالي غير الجنائي لا نراه كاقتصاديين جريمة، ولا سيما أن مدخرات المجتمع أساس ربح المصارف، فخوف الناس من الديون جعلهم يتجهون إلى الوظائف الحكومية بكثافة، ولهذا تراجعنا في مؤشرات نشوء الأعمال الصغيرة والمهنية.
أعتقد بأن التحولات الاقتصادية الكبرى التي نعيشها تعد فرصة مواتية لإعادة هندسة النظام المصرفي لخدمة الاقتصاد بشكل شمولي والاستفادة من تطوير البيئة التشريعية والاقتصادية التي يقودها ولي العهد، وفي شتى المجالات، وتعجز أقلامنا الاقتصادية عن ملاحقة منافعها الاستراتيجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي