Author

الاستقلال للمراجع الداخلي وأخطاء الاستقطاب

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
تنص المعايير الدولية للمراجعة الداخلية على أن يكون نشاط المراجعة الداخلية مستقلا، وأن على المراجع الداخلي أداء عمله بموضوعية، ولقد أعجبتني عبارة وضعها أحد المهنيين في صفحته على "تويتر"، حيث قال: إن المراجع الداخلي لا يتصيد الأخطاء. ورغم وضوح النص، فإنني لم أتصور أنني سأكتب مقالا يوضح هذه المعاني، لكن الممارسات التي بدأت تطفو على السطح، خاصة مع جيل من المراجعين الداخليين يرون تصيد الأخطاء إنجازا، ويرون المهنة كمشروع أمني داخل الجهات، يرون الاستقلال بمعنى التشكيك في جهود الآخرين، فإن هناك خللا في فهم الموضوعية والاستقلال. لقد عرفت المعايير الاستقلال بأنه القدرة على تنفيذ مسؤوليات ومهام المراجعة الداخلية على نحو غير متحيز، وهذا هو بيت القصيد، فالمراجعة الداخلية أحد أعمدة ومرتكزات الحوكمة تعمل على حماية القرار من التحيز، فإذا كان التحيز هو مناط العمل في المراجعة الداخلية، فإن بناء الحوكمة كله سيتصدع، والاستقلال الذي يمنع التحيز هو الذي يكون لدى المراجع الداخلي فيه إمكانية الوصول المباشر ودون أي قيود إلى الإدارة العليا ومجلس الإدارة، ويتحقق ذلك من خلال خطوط الهيكل التنظيمي المزدوجة مع الإدارة ومجلس الإدارة. هذا يعني أن هناك تواصلا مثمرا بين الإدارة والمراجع الداخلي، تواصلا يمنع تحيز أي طرف إلى أي هدف، ولو كان نجاحه الشخصي على حساب نجاح المنظمة. وإذا كان تصيد الأخطاء والعمل في المنظمة كمدير أمني واستخباراتي، فإن بيئة العمل تتحول إلى صراع، ويتحيز كل طرف إلى نجاحاته وقراراته، وبذلك يتقطع كل خطوط التواصل بين الطرفين وتصبح الحوكمة في مجملها محبطة وطاردة للموظفين والكفاءات.
الموضوعية من جانب آخر تعني الموقف الذهني الخاص بالمراجع نفسه، الذي يجب أن يكون خاليا من التحيز إلى أي فكرة مسبقة، والأفكار المسبقة تأتي من خلال الصور الذهنية التي تغلب على المراجع الداخلي وتشكل تفكيره عن الآخرين. وكثير - مع الأسف - يشعر أن عمله غير مكتمل، وأنه غير منجز إذا لم يستطع اكتشاف أخطاء جوهرية ولم يستطع إحالة الآخرين للتحقيق، ولهذا فإنه تحت ضغط هذه الفكرة المسبقة يخطط أعماله من أجل اكتشاف ذلك، ويتحول من مراجع داخل مهني إلى مجرد مبلغ، وهذا يجعل المراجعين الداخليين في معظم الأحيان تحت رحمة آراء الآخرين، وهذا منتهى التحيز وعدم الموضوعية. وعلى هذا، فإن المبالغة في التصيد والبحث عن الأخطاء والتعامل مع الجميع في المنشأة على أنهم متهمون وأن الاختيال كان ينتظر من يكتشفه يخل إخلالا كاملا بالاستقلال والموضوعية، ذلك أن العمل بهذه الصورة والتصورات المسبقة يجعل المراجع ينحاز إلى غير أهداف المنظمة، فهو منحاز إلى شكه فقط، على أن المراجعة عموما هي شك مهني، لكن شك له أهداف وخطط. وعلى هذا، فإن الاستقلال التنظيمي وفقا للمعايير، يجعل المراجع الداخلي تابعا لمستوى تنظيمي في المؤسسة يضمن أداءه بصورة صحيحة، هذه العبارة بالذات تضع للمراجع الداخلي مرجعية تنظيمية تمكن الإدارات الأخرى من أن ترفع شكواها عليه، فهو ليس بطريقة تجعله يتصرف دون قيد ولا ضابط، أو أن يذهب خلف شكه دون هدى ولا خطة مقبولة، فهو ليس محصنا من تبعات شكه أيضا. وكي يتحقق هذا التوازن، فإن هناك ميثاقا للمراجعة الداخلية يجب المصادقة عليه وعلى خطة المراجعة من قبل مجلس الإدارة، ولجنة المراجعة من قبله، كما يجب أن تكون أعماله مبنية على تقييم المخاطر وليس ظنونه.
الاستقلال في المراجعة الداخلية ليس هو الاستقلال في المراجعة الخارجية لا شكلا ولا مضمونا، لا في نص المعايير ولا الإشراف المهني. الاستقلال المهني مسألة شديدة التعقيد في مهنة المراجعة الداخلية، وليست بوضوح الاستقلال نفسه في مهنة المراجعة الخارجية، فالمراجع الخارجي لا يمكنه ممارسة العمل الاستشاري للعميل نفسه، لكن فكر المراجعة الداخلية مبني جوهريا على مفهوم الاستشارة، لكنها الاستشارة الموضوعية. وفي الممارسات الحالية في السوق السعودية، فإن كثيرا من المراجعين الداخليين يتم استقطابهم، ومع الأسف الشديد من مكاتب المراجعة الخارجية، بل يتم الإذن والتغاضي على ممارسات مكان المراجعة الخارجية لأعمال المراجعة الداخلية، وهذا الاستقطاب بدأ يتسبب في كثير من المشكلات للجهات المختلفة، حيث لم يستوعب من تم استقطابهم تلك الفروق الأساسية. ولهذا وغيره، أرفض تماما أي علاقة من أي شكل بين الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين والجمعية السعودية للمراجعين الداخليين، ولا بد من أن تتوقف الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين عن ممارسة أي نشاط له علاقة بالمراجعة الداخلية طالما هناك جهة مستقلة لها تنظيم تعمل على ذلك. لقد تفهمت الدولة هذه العلاقة الشائكة فتم نقل الإشراف على الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين من وزارة التجارة إلى الديوان العام للمحاسبة. وأي محاولة للربط المهني بين الوظيفتين هو محاولة لهدم فكر وخلط مفاهيم.
إنشرها