Author

المساواة في توزيع اللقاح ضد كورونا

|
أستاذ جامعي ـ السويد
ماذا يحدث عند الشدائد والأزمات واستفحال الصراعات؟ الجواب ليس يسيرا، ومن العسر بمكان تقديم رد شاف يرضي كل البشر.
ما نعرفه ونعيشه على مستوى الممارسة اليومية تقريبا هو، أن المصائب والمشكلات جزء لا يتجزأ من كياننا كبشر. وما لا نعرفه بصورة دقيقة يخص استجابتنا عند استشعارنا أن مصيبة ما على الأبواب.
يشبه بعض العلماء ردة فعلنا، أفرادا ومجتمعات، بردة فعل أي كائن حي يستشعر أن خطبا ما سيلحق به. هذا الاستشعار سيدفعه غريزيا إلى حماية نفسه من خلال المحافظة على ما له علاقة مباشرة بحياته.
حماية الرأس تأتي في مقدمة الأمور التي نلجأ إليها إن استشعرنا أننا في خطر. الأم تهرع إلى حماية صغارها قبل أن تفكر في أي شيء آخر في مثل هذه الظروف.
وقس على ذلك ردة فعلنا عندما المصائب والشدائد. كلنا يتذكر كيف قام الناس بتكديس البضائع الأساسية في بيوتهم وتفريغ الأسواق منها عند مقدم الجائحة في العام الماضي وفي مثل هذا الشهر. أظن أن الكل كان يفكر في حماية نفسه من ضائقة استشعر قربها.
لا أستطيع وصف الشعور الذي انتابني عند ذهابي إلى متجر كبير في السويد ورفوفه عارية خالية من الأساسيات التي لا غنى عنها في حياتنا اليومية، هذا في بلد الرخاء والثراء.
قد نشعر ببعض الخجل أو الارتباك لو نظرنا اليوم إلى شريط فيديو ورأينا أنفسنا ونحن نلهث بحثا عن كيس من الرز أو قارورة من زيت الطعام أو علبة من المطهرات.
إن كانت ردة فعلنا للشدائد تقف عند هذا الحد لكان الأمر مقبولا إلى درجة ما لما تحتمه علينا طبيعتنا البشرية.
ولكن ماذا عن الدول الغنية والمتطورة والديمقراطية؟ ألم تقم هذه الدول بتكديس البضائع والأدوية الخاصة بمقاومة الجائحة على حساب بعضها بعضا؟
كم كان أمر هذه الدول غريبا وعجيبا وأنت تراها ترسل الوفود التجارية إلى الصين وتتبارى بالمزايدة للحصول على القفازات والأقنعة الطبية، وغيرها، دون الاكتراث بحاجة الآخرين إليها.
واليوم يحدث الشيء ذاته تقريبا، حيث تستحوذ الدول الغنية صاحبة المال والصناعة على اللقاحات الخاصة بالجائحة. وها هم يشتكون الواحد من الآخر لكون دولة ما تكتنز اللقاحات لنفسها غير مكترثة لعاقبة ذلك على تفشي الفيروس المخيف الذي يقف خلف الجائحة.
الدول الأقل شأنا لن يصل إليها اللقاح إلا بعد أن يتم تلقيح السكان في الدول الغنية، مهما حدث من أمر. وإن أراد الفقراء من الدول الحصول على التطعيم، فلهم اللقاح الروسي أو الصيني، اللذين من وجهة نظرهم أقل كفاءة وحماية لبدن الإنسان من اللقاحات الغربية.
نهتم كثيرا في الأروقة الجامعية بمسألة الأخلاق الإنسانية. ولكل مهنة ونشاط إنساني مجموعة من الممارسات الأخلاقية التي يجب أن ترافق تعاملنا مع بعضنا الآخر.
والأخلاق الإنسانية العامة ليست محصورة بفئة أو زمن أو مكان أو ثقافة. أن يحترم ويساند ويدعم ويعضد الإنسان أخيه الإنسان، خصوصا في الملمات والشدائد، جوهر الأخلاق الإنسانية، وتؤكد عليه الأديان وكتبها والحكومات ودساتيرها.
بيد أن - في الأغلب - تقع الأخلاق الإنسانية ضحية الأزمات والصراعات والشدائد التي تواجه الإنسان، وهذا ما رافق الجائحة منذ تفشيها، ولحد اليوم.
قرأنا كثيرا عن عدم المساواة والفجوة الكبيرة بين الناس استنادا إلى اللون والثروة والثقافة، وصار لمفهوم "من أين أنت ومن أنت"، وقعا كبيرا وتأثيرا خطيرا في مستوى الخدمات الصحية، وغيرها، التي من الأخلاق ألا يكون هناك تمايز في تقديمها.
وكأن الجائحة على معرفة بمكامن ضعفنا، فضربتنا وما زالت تشبعنا ضربا، مستفيدة من خلل عدم المساواة بيننا كبشر، وعدم اكتراثنا، لا، بل انتهاكنا الأخلاق الإنسانية العامة.
ظهر كثير من الأبحاث والدراسات لتقييم الجائحة وتحديد سببها ومسبباتها وكيفية مواجهتها. في أغلبها لم نمنح عنصر الأخلاق البشرية ودوره في تعزيز كياننا كبشر، وكذلك في تهميش دورنا كبشر عند إخفاقنا في تطبيقها على أرض الواقع.
ويبدو أنه كلما زدنا بعدا عن الأخلاق البشرية العامة وأوسعنا الفجوة بيننا وأمعنا في تعميقها، كثرت مصائبنا وقلت حيلتنا في مواجهتها.
وها هي الجائحة تطل برؤوس مختلفة إلى درجة أن الخشية منها أصبحت ظاهرة لا تفارقنا حتى إن كنا من المحظوظين الذين جرى تطعيمهم بجرعتين من لقاح "فايز" الشهير.
إنشرها