البيت الأبيض يرسم الخطوط العريضة لسياساته في الشرق الأوسط
بدأت ملامح سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في التشكل والوضوح، راسمة مخططا بيانيا منتظم الأداء تجاه الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحديدا، محافظة على العلاقة التاريخية المبنية على أسس متينة وثابتة من التوازن وتبادل المصالح والاحترام، إذ تعلو العلاقة بين الرياض وواشنطن، لما تحظى به العلاقة من روابط مشتركة، تجمع التقاربات وتذلل العقبات أمام أي سبب قد يعكر صفوها، إذ اتسمت الأسابيع الأولى من حقبة الرئيس الأمريكي الـ46 بايدن بتعزيز العلاقات بين الدولتين، خصوصا بعد تعرض العاصمة السعودية لهجمات إرهابية متكررة من ميليشيا الحوثي الإرهابية، المدعومة من نظام الملالي في طهران، وأحد أذرع الإرهاب الطائفي التي تستخدمها مؤسسة المرشد الأعلى في وجه المنطقة والعالم لإثارة التوتر وعدم الاستقرار.
احتكمت إدارة بايدن إلى لغة المنطق والأحداث الجارية في المنطقة، لتجد حالة من عدم اليقين تجاه النظام الإيراني وتصرفاته غير المحسوبة، خصوصا في ظل سعيه المستمر إلى الحصول على سلاح نووي، إضافة إلى سلوك ميليشياته الشاذ في المنطقة، من خلال تهديد مصالح واشنطن هناك، إذ تناولت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا يفيد بزيادة أعداد الجنود الموجودين في السعودية وإعادة تمركزهم هناك، في حين تدرس واشنطن نشر نظام القبة الحديدية الصاروخي في قواعدها في دول الخليج العربي للتصدي لصواريخ ميليشيا الحوثي الإرهابية، وكذلك احتمالية تعرض مصالح أمريكية وخليجية لهجمات صاروخية باليستية من إيران، كذلك التي أطلقت على قاعدة عين الأسد في بغداد عقب مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في عملية أمريكية العام الماضي.
وأظهرت تصريحات مسؤولي إدارة بايدن جدية في التعامل مع إيران وتجاوزاتها في المنطقة، إذ تناول أهم الشخصيات ممن يشغلون المناصب السيادية الكبرى، خلال جلسة اعتماد أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في واشنطن، جدية طهران في العودة إلى اتفاق نووي جديد، إضافة إلى عدولها عن تهديد أمن واستقرار المنطقة وحلفاء واشنطن هناك، من خلال التعامل مع ملفات الميليشيات الطائفية المنتشرة في عدد من الدول المجاورة لها كالعراق وسورية ولبنان واليمن، وبالأهمية ذاتها ملف الصواريخ الباليستية، الذي يشكل خطرا كبيرا على مصالح واشنطن وحلفائها في الخليج.
إلى ذلك، بين أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد بعض آرائه تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تمثل توافقا مع سياسة الرئيس بايدن تجاه المنطقة، بأنها تحقق نجاحا وفق شروطها الخاصة في عرقلة مسارات إيران لإنتاج مواد انشطارية لصنع سلاح نووي في وقت قصير، مشيرا إلى أنه من المهم جدا التعاون مع الحلفاء والشركاء في المنطقة ومن بينهم إسرائيل ودول الخليج في مرحلة الإقلاع وليس عند الهبوط فقط - بحد وصفه، مؤكدا في وقت سابق أمام الكونجرس أن وزارة الخارجية الأمريكية لن تقوم بإلغاء تجميد الأموال التي تفرضها العقوبات على إيران في محاولة لإعادة البلاد إلى طاولة المفاوضات.
كما علقت آفريل هاينز مديرة الاستخبارات المركزية الجديدة على إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فإن بلادها مستعدة لذلك، لكن ضمن شروط ما قبل انسحاب طهران من الاتفاق، مؤكدة أن بلادها بعيدة عن ذلك بسبب التجاوزات الإيرانية فيما يتعلق بالتخصيب، وكذلك سياساتها الخارجية، إذ يتعين على الإدارة الجديدة النظر في قضايا الصواريخ الباليستية والأنشطة الأخرى المزعزعة للاستقرار التي تشارك فيها إيران، التي تهدد مصالح بلادها في الخليج وحلفائها هناك، وكذلك القوات الأمريكية المنتشرة بأعداد كبيرة.
بدوره، علق ولويد أوستن وزير الدفاع الجديد على كيفية التعامل مع ملفات الشرق الأوسط تحديدا علاقة بلاده بحلفائها وإيران، مؤكدا أن إيران لا تزال عنصرا مزعزعا للاستقرار في المنطقة، إضافة إلى سلوكها غير المتوائم مع دول الجوار، من خلال ما تمثله من تهديد لشركاء بلاده هناك، وكذلك قواته المنتشرة هناك بحريا وبريا في الخليج العربي، مشيرا إلى خطورة امتلاك طهران سلاحا نوويا، فستزداد صعوبة التعامل مع أي مشكلة تطرأ في المنطقة، لذلك سيستمر نشاط إيران أو سلوكها في زعزعة الاستقرار.
كما لم يخف أول وزير دفاع من أصحاب البشرة السوداء رغبته في إنهاء الحرب في اليمن، لكنه أكد أن الحملة التي تقودها السعودية في اليمن تصدت لعدوان الحوثي، الذي انقلب على حكومة بلاده وسلب الشعب اليمني حقه الشرعي بقيادة منتخبة، كما اتهم بارتكاب أعمال وحشية وشديدة العدائية في البلاد، من خلال تنفيذ أبشع الجرائم المنافية لحقوق الإنسان، عادّا تصنيف إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بأنها لم تحل المشكلة وزادت من تفاقم المشكلة، إذ لم يحقق تصنيف الجماعة أي نتيجة حقيقية يلمسها الشعب اليمني والمنطقة سوى مزيد من العدائية والوحشية لهذه الجماعة، داعيا إلى إعادة النظر في التصنيف، وإعادة الجلوس مع الحوثيين على طاولة المفاوضات لإنهاء الصراع هناك.
وترسيخا لسياسة الاختلاف عن إدارة ترمب تبحث إدارة بايدن الحد من قدرات إيران في سورية، والإسهام في الملف السوري بطريقة مؤثرة، من خلال تعيين بريت ماكورك، منسقا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو محام ودبلوماسي سبق أن عينه الرئيس باراك أوباما عام 2015 مبعوثا خاصا للرئاسة الأمريكية للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، بدلا للجنرال جون ألين، الذي استغني عنه بعد عامين من تولي الرئيس ترمب الرئاسة، وذلك بعدما اعترض على قراره الانسحاب من سورية.
وتعد سورية ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، وتختلط فيها أوراق التحالفات، فيما تجد إدارة بايدن مكانا لها لتصفية حساباتها مع إيران وروسيا والصين، وكذلك تقليم التدخل التركي، من خلال عودة الدعم الأمريكي للأكراد وإعادة التوازن على الحدود السورية التركية، إضافة إلى التعامل مع ملفات روسية على الأراضي السورية خصوصا المتعلقة بإقامة قواعد جوية وبحرية هناك، لتكون مقدمة لتصفية وجود الميليشيات الإيرانية هناك وإخراجها وإضعاف جبهة حزب الله اللبناني.