Author

الخطوة الأثمن دائما متقدمة

|
في معظم سياقات الحياة، هناك دائما نقطة توازن مثالية بين التقدم والجسارة والمخاطرة وبين الاحتياط والسلامة والحذر. وفي الوظيفة الأمر كذلك تماما، من يخرج من دائرة الراحة ومن يبادر سيجد مردود ذلك ويراه، ومن يبقى في مكانه سيبقى في مكانه. لا تغيب هذه القاعدة البسيطة عن أحد، السعي مطلب الرزق، والمخاطرة مطلب الكسب، والاكتشاف مطلب التعلم. من يرد الحفاظ على قيمة استثماره يجب أن يستثمره في قناة استثمارية بعوائد تناسب ذلك، لكن هناك دائما مخاطر، المعرفة الكافية والقرار السليم هما مربط التوازن. الخطوة الإضافية التي يقوم بها الموظف هي التي تكشف قدراته للآخرين، لكن المبالغة دائما خطيرة وربما تكشف القصور.
من جانب آخر، هناك دائما من سيقول للموظف: "الزم مكانك واعرف دورك جيدا، هناك خطوط ينبغي ألا تتجاوزها. لا تطرح أفكارك في كل مكان، ولا تتقمص أدوار الآخرين، واهتم فقط بعملك". وهذا صحيح، كيف إذن يمكن التوفيق بين المبادرة والالتزام بالدور المطلوب؟ تبنى الترقيات أساسا على قدرة الشخص بالقيام بالدور الذي يمكن ترقيته له. يعني الانتقال إلى مستوى أعلى وظيفيا يجب أن يكون مستندا إلى دلائل تشير إلى ذلك، حسب سجل الأداء الفعلي والحس بالمسؤولية والقدرة على القيام بمهام أعلى من المهام الحالية. كيف يمكن أن نجمع بين هذين المتناقضين؟ الجواب: بمعرفة فسحة التقدم المتاحة في مكان العمل واستغلالها على الوجه الأمثل.
تختلف فسح التقدم التي تتاح للموظف حسب مكان العمل وثقافته، هناك بيئات مفتوحة تدعو الموظف للقيام بهذه الخطوات الإضافية وهناك بيئات أخرى أقل انفتاحا. ولكل مكان ظروف وقوانين وتوقعات يضعها المديرون وفق أسلوب إدارتهم. الخطوة الأولى للوصول إلى هذا التوازن المطلوب تكون بفهم هذه الظروف ومعرفة كيفية استغلالها. إساءة فهم هذه الظروف تكون في العادة بطريقتين: موظف يبالغ في حماسه ويصطدم ويزعج غيره ويثير الفوضى حتى يصل إلى مرحلة لا يسمع له أحد ويتم تفاديه وتحجيمه. وموظف متقوقع جل تفكيره ينصب حول كيفية القيام بعمله كما هو موثق ومكتوب، فالحد الأدنى لديه هو الحد الأعلى القابل للتنفيذ. مثل هذا الأخير، إما أن يكون لا يفهم جيدا مبدأ التقدم بخطوة للحصول على ثمرة هذه الخطوة، أو أنه يعي هذا المبدأ لكنه يائس من بيئة العمل التي يعمل بها. في معظم الحالات لا تكون بيئة العمل هي السبب، إذ إن أماكن العمل فيها دائما من الفرص ما يتاح للجميع وإن اختلفت درجة انفتاحها نحو التطوير والتحسين والإبداع. لكن السبب يكون مجرد سوء تقدير وتشاؤم حول العائد المتوقع من المحاولة. يرى مثل هذا الموظف أن أي خطوة إضافية يقوم بها لا طائل منها، لن يقدرها أحد، ولن تعود عليه بمنفعة. بالطبع إذا لم يجرب لن يعرف. هو تماما مثل التاجر الذي يطلب الرزق دون سعي، ومثل المستثمر الذي يتمنى العوائد دون مخاطرة. النتيجة في هذه الحالة تصبح خسارة واضمحلالا ولن يحافظ حتى على مكتسباته.
هناك قائمة طويلة من المنافع التي يكتسبها الموظف من تجربة الخطوة الإضافية التي يقوم بها في مقر عمله. أولا، معرفة جدوى الأسلوب الذي يستخدمه. ثانيا، التعلم، يستحيل أن تنتهي أي تجربة دون تعلم، حتى لو كانت فاشلة بالكلية. الثالثة، يقيس الموظف بهذا النوع من التجارب حقيقة الفرص التي يراها في مكان العمل، يطرح فكرة، يساعد على توفير تكلفة، يطور من إجراء، وما إلى ذلك، سيكتشف ويبني خبرته حول ما ينفع ويفيد وما يجب أن يتنحى عنه. رابعا، هناك بركة دائمة في خطو تلك الخطوة الإضافية، ما دامت لم تضر أحدا وكانت مبنية على محاولة النفع وليس الاستعراض وحسنت نية من يخطوها، فالنية مطية، ومن يقدم السبت يجد الأحد.
الخطوة الإضافية التي يقوم بها الموظف سيحصد بها نتيجتين لا ثالث لهما: تطور وظيفي سريع أو ظهور إيجابي دائم. شرط التوزان هنا أن يندفع بكل ما يملك ويقدر لكن بعد احتساب المخاطر بشكل جيد. على سبيل المثال، لا يتحدث بما لا يعرف، وهذا يعني أنه يجب عليه أن يتعلم بشكل مسرع ما يحتاج إلى أن يتعلمه، أي إن الخطوة الإضافية لن تعمل بشكل جيد لمن لا يتقن مهارات التعلم السريع. وعلى الموظف امتلاك شجاعة السؤال، لكن الإكثار من الأسئلة دون بذل مجهود يسبق السؤال قد يكون دلالة على الكسل أو الاستهتار. وعلى الموظف أن يعي ما يحدث حوله، وهذا يعني أن محاولة المبادرة من قوقعته قد تجعله في موقف يفهم من خلاله أن المبادرات في مكان عمله غير مرغوبة. وهذا سوء فهم، كل ما حصل أنه بعيد عن الواقع ضعيف في اندماجه مع فريقه وأحداث عمله، مثل هذا لن يفهم الأولويات والفرص بشكلها الحقيقي. وتماما مثل التاجر والمستثمر، حتى يحقق التوازن ويقوم بهذه الخطوات الإضافية الثمينة، لا بد لمن يستمر في المحاولة أن يتحلى بالصبر، فقطف الثمر لا يحدث قبل نضوجه.
إنشرها