البيت الأبيض في منطقة حرجة بين سياسات ترمب وإرث أوباما
يواجه الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن واقعا سياسيا قاسيا داخليا وخارجيا، إذ وعد باتخاذ حزمة من الإجراءات الصارمة تجاه سلفه الجمهوري دونالد ترمب، واعدا بأنه لن يكون نسخة كربونية من الرئيس باراك أوباما، الذي شغل منصب نائبا له طوال ثمانية أعوام، لكن على الرغم من الوعود الانتخابية إلا أن الرئيس يعتمد إحدى أبرز سياسات الرئيس ترمب تجاه الشرق الأوسط، من خلال اعتماد خطة اتفاقات إبراهيم أو ما عرفت باتفاقات أبراهام، وهي التي تقدم المصلحة على العداء بين العرب والإدارة الإسرائيلية، اتفاقات تغلب المصالح الأمنية والاقتصادية على أي حسابات أخرى سابقة، بسبب تبني إيران سياسة قمعية تهدد بقاء ووجود هذه الدول، انطلاقا من منهج الولي الفقيه والتمدد لحكم العالم والعالم العربي، ليصدر الرئيس بايدن في أيامه الرئاسية الأولى حزمة من الأوامر الرئاسية، التي كانت في أغلبها مخالفة لسياسات سلفه السابق دونالد ترمب، وتتوافق - بحسب مراقبين - وإرث سلفه الديمقراطي أوباما، أخذا بجدية أهمية الحلفاء التقليديين لبلاده، وعلى رأسهم السعودية، ومصر، والإمارات، وإسرائيل.
جرى التنصيب في ظروف استثنائية بسبب الجائحة أولا، وبسبب العنف الذي حصل في مبنى الكابيتول، بعد اقتحام أنصار الرئيس السابق له، وتخريب مقتنياته، لتصبح واشنطن عموما ومنطقة التنصيب خصوصا منطقة عسكرية محظورة الحركة، فيما سجل غياب ترمب كحالة نادرة لم تحصل منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ شهد عام 1974، غياب ريتشارد نيكسون عن حفلة تنصيب الرئيس الجديد جيرالد فورد بسبب استقالته من منصبه قبل نهاية ولايته الثانية، نتيجة لفضيحة التنصت والتجسس الشهيرة على الحزب الديمقراطي، المعروفة بقضية "ووترجيت".
أظهرت الأيام الأولى من فترة حكم الرئيس بايدن ملامح مغايرة لحملته الانتخابية، التي تعهد فيها بالتخلي كليا عن سياسات سلفه ترمب، لكنه اليوم يتوجه إلى تطبيق عدد من المبادرات السياسية التي تبناها الرئيس ترمب خصوصا في الشرق الأوسط، تحديدا اتفاقيات إبراهيم، التي من شأنها تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل، فيما أنجز توقيع تطبيع العلاقات في عهد الرئيس السابق ترمب بين إسرائيل ودول عربية بدءا من الإمارات وتلتها البحرين والمغرب، فيما ينتظر السودان دوره لتوقيع تطبيع العلاقات بعد الإعلان عن رغبته في تطبيع العلاقات، وإذا أراد الرئيس بايدن أن يبني على هذا التحول الجذري في سياسات الشرق الأوسط، فعليه خوض مسيرة رئاسية مليئة بالمواجهة والتحديات، أهمها أن يتحدى الجناح التقدمي في حزبه الديمقراطي، الذي ينتقد الاتفاقيات ويسعى في الوقت نفسه إلى إبعاد واشنطن عن حلفائها التقليديين في المنطقة.
ابتعاد واشنطن عن حلفائها التقليديين في المنطقة وعلى رأسهم السعودية والإمارات ومصر يعني خسارة لواشنطن لا يمكن تحمل فاتورة أعبائها، كما أن التوجه نحو بناء علاقات وطيدة مع النظام الإيراني يعني بشكل قطعي خسارة الأمريكان ثقلهم العسكري والاقتصادي في المنطقة، إذ ستتمكن بكين من السيطرة على المنطقة دون عناء، وسترجح الكفة الصينية في المنطقة، التي تبحث عن أي منفذ للدخول إليها وفتح طريق الحرير، الذي سيختصر على طرقها التجارية الكثير، لذلك فإن السياسة الخارجية الأمريكية مجبرة على التعامل مع اتفاقيات إبراهيم، والحفاظ على حلفائها التقليديين، خصوصا السعودية ذات الثقل الثلاثي المتمثل في القوة الاقتصادية كثاني أكبر مخزون احتياطي للنفط في العالم، إضافة إلى الثقل الديني الإسلامي، إذ تعد قبلة نحو مليار مسلم حول العالم، كما أنها قوة عسكرية كبرى تحفظ التوازن العسكري في منطقة تعد الأكثر توترا في العالم.
تسير منطقة الشرق الأوسط في اتجاهات بإمكان واشنطن تحديد مساراتها، لكن ليس السيطرة عليها بشكل كامل، لاعتبارات عدة، لكن ينبغي للإدارة الأمريكية الجديدة أن تستثمر هذا التقارب التاريخي بين مصالح دول الشرق الأوسط للمساعدة على تقوية المنطقة بشكل أكبر وتعزيز المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة إلى حد كبير على المدى البعيد، وإعادة ترتيب أوراق المنطقة بإقامة دولة فلسطينية مبنية على حل الدولتين عاصمتها القدس الشرقية، في حين تظهر المؤشرات نية حقيقية لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية في السلطة الفلسطينية.
عدم عرقلة صفقات الأسلحة مع دول الخليج العربي للإسهام في الدفاع عن المنطقة ومصالح العالم فيها، والتغاضي عن دراسة التراجع عن تصنيف هذه الميليشيا كمنظمة إرهابية، كما تمارس مصر والأردن وفرنسا وألمانيا ضغوطا من أجل إجراء محادثات سلام جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما تسعى تركيا إلى تحسين علاقاتها مع فرنسا واليونان وإسرائيل ومصر والإمارات والسعودية، بعد أعوام من التوترات.
يعد إرث الرئيس السابق حملا ثقيلا على ظهر الديمقراطيين في ظل معركة انتخابية شرسة شهدتها الولايات المتحدة، وشابها التشكيك والاتهام بالتزوير، لذلك من الصعب على الديمقراطيين مجاراة سياسات الرئيس ترمب ولو كانت واحدة، لكن الواقع السياسي الأمريكي، الذي يسعى منذ نحو 70 عاما على التقريب بين العرب وإسرائيل وتحويل معادلة القتال والعنف إلى سلام وتعاون اقتصادي وأمني، تعلو على الخلاف ما بين إدارتين سابقة وحالية، لتكون التوقعات مزيدا من التقارب ما بين واشنطن والرياض وأبو ظبي وتل أبيب، وكذلك استمرار مسلسل الجفاء ما بين واشنطن وطهران على أن تتم حلحلة سياسية تبقي دور واشنطن كشرطي للمنطقة.
الطريق مفتوح أمام الرئيس بايدن لقطف ثمار المصالحات السياسية، التي كان آخرها مصالحة العلا بين الأشقاء العرب ونبذ الخلاف مع قطر واحتوائها، ما يعطي الرئيس الجديد أفضلية للتعامل مع الملف العراقي وإنهاء التغول الإيراني هناك، وكذلك إنهاء شبح تهديد الزوارق والقوارب الإيرانية للمصالح العسكرية في الخليج، إضافة إلى الحد من القدرات العسكرية للقوات الإيرانية الموجودة في سورية، وتعطيل قدرات حزب الله اللبناني، وإعادة لبنان إلى مكانته الصحيحة بتحييد هذا الكيان الإرهابي، الذي يسيطر على البلاد بالحديد والنار.
ويبقى أنه في حال تبنى الرئيس الجديد سياسات سابقة ثبت فشلها مع الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، فإن حجم الخراب الذي سيصيب المنطقة كارثي، إذ ستزداد الجماعات الإرهابية، ذات التوجه الداعشي فيما يقابلها تمدد إرهابي طائفي مدعوم إيرانيا على غرار الحشد الشعبي وحزب الله العراقي، كما ستستمر معاناة ومأساة الشعب اليمني، فيما ستكون اليمن قاعدة إيرانية لتنفيذ عمليات انتحارية في المنطقة تجاه واشنطن وحلفائها، كما أن العودة إلى اتفاق نووي سيزيد من كابوس امتلاك طهران السلاح النووي، الذي يهدد المنطقة والعالم.