Author

الانتخابات الأمريكية ما بين الموضوعية والتطرف

|

ليس غريبا أن تحظى الانتخابات الأمريكية باهتمام كبير من قبل جميع الدول والكتاب والمفكرين، فالولايات المتحدة هي الأقوى والأبرز من النواحي السياسية والعسكرية وكذلك العلمية والاقتصادية. فما يحدث في الولايات المتحدة يكون له صدى مؤثر في العالم في معظم المجالات. وكما هو معروف، فقد برز نجم الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين تعاظم دورها عاما بعد آخر، وازداد الاهتمام بها في فترة الحرب الباردة، كونها كانت قطبا يحفظ توازن القوى على المستوى الدولي، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي ومع نهاية القرن الـ20، تنبأ بعض المثقفين، ومنهم كاتب هذه السطور، بأن يكون القرن الـ21 قرنا أمريكيا بامتياز، بمعنى أن تطغى السيادة الأمريكية خلال هذا القرن. لكن مع انتهاء العقد الثاني من هذا القرن بدأ بعض المفكرين بمراجعة ذلك، خاصة مع بروز النجم الصيني الذي استطاع ضخ الصناعات الصينية لجميع أسواق العالم، وسبر أغوار الفضاء، وامتلاك ناصية التقنية والاتصالات، بل أصبحت الصين هي المنتج الأول للسيارات في العالم، حقيقة قد يجهلها كثيرون!
ومع التأكيد بأن السياسة هي "فن الممكن"، وأن العلاقات الدولية هي علاقة مصالح لا نسب أو قرابة، فإن متابعة الأحداث السياسية وتحليلها أمر مطلوب من المثقفين الذين يرغبون في فهم ما حولهم، ويقومون بدورهم في تنوير الرأي العام، دون أن يفقد التحليل السياسي معناه وتختل موضوعيته ونزاهته بدخول المشاعر في التحليل، لدرجة أن يبدو المحلل أو الكاتب أو المفكر وكأنه طرف في القضية. قد لا نستنكر الميول العاطفية والمشاعر غير الإرادية تجاه بعض القضايا الوطنية، لكن ليس من السهولة تقبل مبررات الميل نحو طرف معين في قضايا بعيدة عن المحيط العربي! ومن باب أولى عندما يشعر الكاتب باختلال موضوعيته في الكتابة عن موضوع معين أن يتجنب الكتابة عنه.
فعلى سبيل المثال، طرح المؤرخ الأمريكي ألن ليتشمان Allan Lichtman توقعاته بفوز بايدن، بناء على نماذج قام بتطويرها منذ 1984، ولم يقدم توقعاته بصورة قطعية، وتنبأ أستاذ العلوم السياسية الأمريكي هيلموت نوربوث Helmut Norporth بفوز ترمب، بموضوعية ودون مبالغة أو تحيز، بل بنسبة احتمالية! وعلى الطرف الآخر توقعت عائشة الرشيد (سيدة كويتية) بصورة قطعية بأن ترمب سيكون آخر رئيس للولايات المتحدة التي - وفقا لتوقعاتها - ستتفكك وتنتهي قبل تنصيب الرئيس بايدن! أما أكثر التوقعات طرافة فقد جاء بها ميشال حايك، الذي توقع بالنص: أن "يخسر ترمب ويربح في الوقت ذاته، والأيام راح تشرح كيف؟". وأخيرا توقع زميلي وصديقي أحمد الفراج، بصورة قطعية، أن يفوز ترمب، لكنه لم يفعل!
وكلمة أخيرة عن الانتخابات الأمريكية، إن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، بمعنى أن الأخطاء يمكن أن تحدث والتجاوزات يمكن أن ترصد، لكن لا يمكن أن تكون على نطاق واسع أو بمؤامرة من طرف أو آخر، ليس لتميز الأمريكيين بالنزاهة أو لتفوقهم بالقيم الديمقراطية على الآخرين، لكن لأن الجميع يخشون الملاحقة القانونية ويخافون العقوبات الصارمة التي لا تستثني أحدا، بمن فيهم الرئيس ترمب، الذي من المتوقع أن تبدأ محاكمته أمام مجلس الشيوخ قريبا، بشأن دوره في أعمال الشغب الدامية في مبنى الكابيتول، بالعاصمة الأمريكية!

إنشرها