Author

إدارة جديدة وأربع معضلات 

|

 
يواجه الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، سلسلة من الأزمات منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض، وهذه الأزمات معروفة للجميع، لكنها عميقة وتتطلب جهودا لا حدود لها لمواجهتها بصورة ناجعة. والإدارة الجديدة اعترفت بالمصاعب التي تواجهها، ووضعت قائمة بالأولويات، تصدرها وباء كورونا المستجد، الذي يتفاعل بقوة في الولايات المتحدة، حتى في أعقاب اعتماد اللقاحات المضادة له، فهناك اختلافات كبيرة في رؤية بايدن والسياسة التي كانت تتبعها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب مع الجائحة. فالإدارة الجديدة اعترفت بها وبمخاطرها القاتلة، في حين كانت الإدارة السابقة تتعامل معها بزخم أقل وحماس فاتر - إن جاز القول. فلم يكن غريبا - مثلا - أن وقع بايدن الأمر التنفيذي الأول له بإلزامية وضع الكمامات على جميع الأمريكيين، في حين أن ترمب كان يقول عكس ذلك تماما، دون أن ننسى أن عدد الأمريكيين الذين قضوا نتيجة الإصابة بكورونا، تجاوز 400 ألف شخص. وكان الرئيس الجديد أعلن قبل تنصيبه، أنه وضع خطة إنقاذ اقتصادية جديدة بقيمة 1.9 تريليون دولار، وخطط أخرى في وقت لاحق من العالم الحالي، لمواجهة التراجع الاقتصادي المستفحل، الذي ضرب كل القطاعات التجارية الأمريكية، حيث أعلن كثير من الشركات إفلاسها، كما أغلقت معظم المحال أبوابها بسبب تداعيات الجائحة الخطيرة. ويضمن بايدن تمرير هذه الخطة الكبيرة الأخرى في المؤسسات التقليدية للحكم في الولايات المتحدة، خصوصا أن حزبه الديمقراطي بات مسيطرا على مجلس الشيوخ، إلى جانب طبعا سيطرته على مجلس النواب. المشكلات كثيرة التي تواجه الرئيس الأمريكي الجديد، لكن هناك أربع أزمات وضعها على رأس أولوياته: الجائحة - كما أشرنا - والوضع الاقتصادي المتردي، الذي شمل أيضا ارتفاعا تاريخيا في أعداد العاطلين عن العمل، وتوقف مؤسسات عن العمل، بل خروج عدد كبير منها من السوق نهائيا، فضلا عن الديون الحكومية المتعاظمة حتى قبل تفشي كورونا. وإدارة بايدن تتجه أيضا إلى مواجهة معضلة التغير المناخي، خصوصا أن دونالد ترمب لم يكن يهتم بهذه الأزمة العالمية، بل كان ينفي وجودها أصلا، الأمر الذي دفعه إلى الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وهذه الاتفاقية تعد محورية بالنسبة إلى الديمقراطيين الذين سيعيدون بلادهم إليها في غضون أيام. وهذا يتطلب تعاونا دوليا، باتت الإدارة الجديدة مستعدة للقيام به على الفور، خصوصا أن الرئيس الجديد يؤمن بقوة بسياسة التحالفات، ولا سيما مع الدول القريبة من الولايات المتحدة والحليفة لها تقليديا، خاصة الدول الأوروبية باتحادها الكبير، وأيضا حلف الناتو الذي يعد من أقدم التحالفات على مستوى الدول الغربية. وبدأ بايدن بالفعل اتصالاته حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، لإصلاح علاقات بلاده مع دول تعد من أقرب الدول لواشنطن، خصوصا دول الاتحاد الأوروبي وكندا، كما أن عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل مرحلة ترمب، بين الولايات المتحدة وحلفائها ستنهي عددا من الملفات الخلافية على صعيد التجارة وغيرها. لكن المشكلة الأهم فعلا هي تلك التي تتعلق بالعنصرية المتصاعدة على الساحة الأمريكية، التي تعد إدارة بايدن أنها ارتفعت حدتها كثيرا في ظل سياسات الإدارة السابقة، وهي سياسات فيها من المخاطر الكثير على الداخل الأمريكي، وتجلت في اقتحام أنصار ترمب الكونجرس الأمريكي في الأسبوع الأول من الشهر الجاري. وملف العنصرية ليس جديدا على الساحة الأمريكية، فهو ذو جذور تاريخية منذ تأسيس الولايات المتحدة، إلا أنه بات خطيرا بما يكفي لوضعه على رأس الأولويات، ومعالجته بسرعة فائقة. فالرئيس الجديد قال في خطابه خلال حفل تنصيبه، إنه رئيس لكل الأمريكيين، وفي مقدمتهم أولئك الذين يختلفون معه سياسيا وفكريا. مهمة الرئيس جو بايدن صعبة للغاية، والأمريكيون يتطلعون إلى الـ100 يوم الأولى لولايته وينتظرونها بلهفة، لمعرفة مدى نجاحات وإنجازات القادمين الجدد إلى البيت الأبيض.

إنشرها