Author

كيف نحقق الهندسة الاجتماعية المناسبة؟

|
في دعوة من الدكتورة الأميرة الجوهرة بنت فهد بن محمد، والدكتور سامي الوكيل شاركت في الدورة السابعة لمجموعة قضايا وطنية، حيث عقدت ندوة الهندسة الاجتماعية الرقمية على مدى ثلاثة أيام، وتناولت مشاركتي ثلاثة محاور دمجت في عنوان الأصول الفكرية، والأبعاد التربوية، والثقافية، والاجتماعية، وعلاقتها بالهندسة الاجتماعية، وفي توطئة للموضوع عرضت حقيقتين أولاهما أن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، وثانيهما أن المجتمع تجمع بشري على بقعة جغرافية يجمع بين أفراده علاقات ثقافية، واقتصادية، وعرقية، ودينية ، وغيرها، وإزاء هذه العلاقات هناك أطروحتان، إما أن تنشأ مصادفة، ودون تدخل من أحد، وهذا مستحيل إذا علمنا أن الفرد جاء للحياة بعلاقة بين طرفين، أما الطرح الثاني فهو أن العلاقات نشأت بفعل فاعل، وجهود بذلت من أفراد، ومنظمات، وهيئات، وهذا واقع الحال في المجتمعات كافة.
تناولت الورقة عرضا لمفهوم الهندسة الاجتماعية موضحا أن مفهوم الهندسة الاجتماعية الرقمية مصطلح جديد لكنه قديم قدم الإنسان كممارسة، إلا أن المصطلح خاص بآليات الرقمنة في هندسة الأفراد اجتماعيا، ولا يرقى إلى مفهوم الهندسة الاجتماعية الشمولية، وذلك لاستيعابه كل الآليات، والأنشطة المستخدمة، وتضمنه معاني تنشئة، وتربية، وتأهيل، وتطبيع الفرد، وتعديل سلوكه، أو هندسته نفسيا، وبرمجته عقليا ليتحقق التوافق والقبول بين الفرد والمجتمع.
الهندسة الاجتماعية الرقمية تعنى بعمليات القرصنة، والتحايل التي يستخدمها مجرمو التقنية بمهارة للإيقاع بضحاياهم، والحصول على معلومات منهم شخصية، أو تخص المنظمة التي يعملون بها لسرقة معلومات، أو أموال، أو انتهاك عرض ليتحقق الضرر النفسي، والمادي، وعدم الطمأنينة الفردية، والاجتماعية ما يميز مصطلح الهندسة الاجتماعية بإحاطته بجميع أوجه التأثير مهما كانت رقمية، أو غير ذلك.
الإنسان منذ وجد على أرض البسيطة مارس الهندسة الاجتماعية بصور مختلفة، حسب نمو، وتطور المجتمع ثقافيا، ومعرفيا، وتقنيا باستخدام آليات متعددة يقع على رأسها الأسرة التي اضطلعت، ولا تزال في دور التنشئة، والتطبيع الاجتماعي، ونقل، وترسيخ ثقافة، وقيم المجتمع، ومبادئه، وأنظمته في نفوس أبنائها ليتحقق الانسجام، والتوافق بما يوجد مجتمعا متجانسا بعيدا عن الانقسام، كما أن مجالس العرب، ومنتدياتهم كما في سوق عكاظ، ومجالس سمرهم، ومجالس شيوخ القبائل، وما يعرض فيها من أشعار، وقصص تحكي الكرم، والبطولة، والقيم، وحماية المستجير كان لها دور مهم في هندسة الأفراد اجتماعيا.
المدرسة بصورتها البدائية البسيطة، أو صورتها الحديثة المتطورة بما يتوافر لها من بيئة جيدة، وتقنيات تمارس دور الهندسة الاجتماعية؛ بهدف إيجاد أجيال ذات عقل جمعي، وهذا هدف تسعى إليه كل المجتمعات من خلال المناهج الدراسية الموحدة على مستوى المجتمع مع ما قد يوجد من تباين في المعرفة دون اختلاف في الأهداف العامة.
وبدخول الإعلام ساحة التأثير أصبح مشاركا قويا في الهندسة الاجتماعية من خلال الصحافة، والإذاعة والتلفزيون، لتتحقق النقلة الكبيرة، والقوية مع الإعلام الحديث ممثلا في "تويتر"، و"واتساب"، و"فيسبوك"، و"تيليجرام" وغيرها، حيث الفضاء المفتوح الذي يصعب السيطرة عليه، وتوجيهه ليكون تأثيره ممثلا في هندسة اجتماعية وافدة، متعددة المصادر، والمشارب.
أطروحات الفلاسفة في المجتمعات القديم منها كافة، والحاضر كان لها دور كبير في هندسة المجتمعات، وإحداث التغيير فيها أمثال سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وأنجلز، وماركس، وآدم سميث، وفلاسفة العرب أمثال الفارابي، وابن رشد، وابن سينا، وابن خلدون، فأفكارهم بشأن الحياة، والكون، والأخلاق، والمجتمعات مثلت مدارس تفكير لها أتباعها، ومنظروها ما أسهم في نشرها، وتأسيس مجتمعات بناء عليها، وما المجتمعات الرأسمالية القائمة حاليا، والمجتمعات الاشتراكية، كما في الاتحاد السوفياتي سابقا إلا مثال على هندسة المجتمعات، وإعادة بنائها.
النظريات العلمية، وتطبيقاتها، سواء في العلوم النفسية، والاجتماعية مثل السلوكية، والبنائية، والتحليلية، والتعلم الاجتماعي، أو في العلوم الطبيعية كما في نظرية التطور والارتقاء، أو قانون الوراثة أسهمت في إحداث تحولات واضحة المعالم، وما الدعاية، وبرامج تعديل السلوك، وطرق التدريس، والهندسة الوراثية إلا أمثلة بسيطة على دور النظريات في الهندسة الاجتماعية.
إنشرها