Author

شركات التكنولوجيا .. قيود وانكشاف واحتكار 

|

مما لا شك فيه أن الاقتصاد الرقمي عموما كان المنقذ الأساس للاقتصاد العالمي خلال أزمة تفشي كورونا 2020، وللحقيقة فإنه يصعب علينا تصور شكل الحالة الاقتصادية العالمية لو لم يجتمع قادة العالم ويعالجوا بشكل افتراضي وبقيادة السعودية، ويتخذوا بشكل جماعي تلك القرارات التاريخية.

ولو تصورنا حجم الخسائر التي كانت ستنتج فعليا مع توقف الدراسة بشكل تام ولو لم تتوافر تلك القنوات من الاتصالات ومن التقنيات والمنصات التجارية. وبات قطاع التكنولوجيا ركيزة أساسية وحجر الزاوية الرئيسة في المنظومة الاقتصادية الدولية. لكن رغم هذا النجاح المبهر للاقتصاد الرقمي وشركات قطاع التكنولوجيا وما حققه من دعم للإنسانية خلال عام صعب، فإنه وعلى عكس أمنيات شركات هذا القطاع، فقد بدأ القلق منها، ومن قدراتها على الهيمنة، ومن مشكلات أخرى لا حصر لها تتعلق بالخصوصية وتتعلق بالأمان الاجتماعي، بل حتى قوة وهيبة الدول.

ويشير تقرير نشرته "الاقتصادية" حديثا إلى أن عددا من شركات قطاع التكنولوجيا كانت بالفعل عملاقا اقتصاديا قبل عام 2020، لكن عام 2020 أدخل عددا آخر من شركات التكنولوجيا، مثل شركة ألفابت الشركة القابضة لموقع البحث الشهير جوجل لتنضم إلى نادي شركات التكنولوجيا التريليونية.

لكن القلق الذي يتنامى من هذه الشركات لم يسبب فقط قلقا من الحجم، بل من قضايا عدة، أولها انكشاف الحكومات الهائل على خدمات هذه الشركات. فرغم أن القطاع العام أو الحكومي، ولأسباب أمنية بحتة، كان متمسكا بالأعمال الورقية التقليدية، لكن انتشار الوباء دفع بقوة نحو رقمنة السجلات الحكومية، وأصبح كثير من القطاعات الإدارية في عديد من المؤسسات الحكومية يدار من المنازل.

هذه الرقمنة في الوقت الحالي، وبسبب السرعة في الاستجابة للتحولات، تجعل الحكومات عرضة لقبول التنازل والتخلي طوعا عن عدد من السياسات والتشريعات أو تأجيل العمل بها ولو مؤقتا. لكن الأمر لن يستمر كثيرا، فقد بدأ النقاش مبكرا، فخلال مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، تمت إضافة المديرين التنفيذيين لشركات ألفابت، وفيسبوك، ومايكروسوفت، إلى قائمة المتحدثين، وفي أعقاب المؤتمر ومع توجه رئيس "فيسبوك" إلى بروكسل لإجراء مباحثات مع مفوضي الاتحاد الأوروبي حول حزمة من المبادرات التنظيمية بشأن الذكاء الاصطناعي والبيانات والخدمات الرقمية، أكد مفوض الاتحاد الأوروبي أنه يجب على شركة فيسبوك تتبع لوائح الاتحاد الأوروبي وليس العكس. وهذه العبارات كافية جدا لفهم التوجهات الحكومية، خاصة في الاتحاد الأوروبي.

ولقد ظهرت عبارات جديدة على السطح، مثل العمل لنيل الاستقلال التكنولوجي، ما يضع ضغوطا على شركات التكنولوجيا العالمية العملاقة في الأمد الطويل. ظهر القلق بشأن قدرة الشركات العملاقة للتكنولوجيا على الهيمنة على القرار السيادي للدول، خاصة مع تنامي الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي التي ترتبط كما ونوعا بهذه الشركات وبما تقدمه من خدمات في الدول، وإذا أخذت في الحسبان ضخامة العقود التي تقدمها الحكومات والقطاع العام في مجالات كالتعليم، والصحة، والخدمات العامة وطبيعة العقود فيها التي تمتد لأعوام، فإن شركات التكنولوجيا باتت لديها الآن إمكانية نادرة وقوية للغاية للتأثير في أي اقتصاد، وهذا جعل أهم التحديات التي ستواجه شركات التكنولوجيا هي الجهود الحكومية لتحجيمها.

كما أن هناك اتهامات لعديد من تلك الشركات بتبني سياسات احتكارية للقضاء على منافسيها، وهذا الاتهام بدأ باتجاه واحد من الحكومات باختلافها وتنوعها نحو الشركات العملاقة حتى لو كانت وطنية. وأشار تقرير "الاقتصادية" إلى أن الحكومتين الأمريكية والصينية، أصبحتا ينتابهما شعور بعدم الارتياح للقوة المتنامية لشركات التكنولوجيا الوطنية. وأخيرا أطلقت الصين تحقيقا لمكافحة الاحتكار المزعوم من قبل شركة علي بابا، عملاق التسوق عبر الإنترنت، والمتهمة بتبني سياسة "اختيار واحد من اثنين" عبر إجبار التجار على توقيع اتفاقيات تمنعهم من بيع منتجاتهم على منصات منافسة.

وفي الولايات المتحدة، حيث أقامت لجنة مكافحة الاحتكار في الكونجرس الأمريكي في منتصف العام الماضي جلسات استماع لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية الأربعة "أمازون، أبل، فيسبوك، وجوجل"، حول المنافسة الخانقة التي يقومون بها ضد منافسيهم، بما يمكنهم من جني أرباح مرتفعة عبر وسائل غير تنافسية. وهذه ليست سوى البداية بشأن جهود الحكومات للتصدي للقوة المتزايدة لشركات التكنولوجيا، وهو ما يعني أن عام 2021 لن يكون سهلا على هذه الشركات، وسيكون عليها العمل وسط مناخ قانوني غير ودي لفك احتكار شركات التكنولوجيا العملاقة وتحرير الاقتصاد العالمي من القيود التي تكبله.

إنشرها