Author

الديون السيادية .. تعليق أم هيكلة؟

|
سوق الدين السيادي تعد سوقا معقدة للغاية، فهي من جانب تمثل علاقة بين الدول المدينة والمؤسسات الدولية الدائنة، ومن جانب آخر هناك دول مدينة ودول دائنة، وهناك أيضا مؤسسات تجارية دائنة، وهناك جهات تصنيف، والدين السيادي يعد أفضل الخيارات الاستثمارية، ذلك أن الدول والحكومات تضمن السداد، لكن المشكلة الشائكة دائما ليس في السداد بل في وقته. فكثير من المؤسسات التي تستثمر أموالها في الدين السيادي الذي في الأغلب ما يكون على شكل سندات، أو حتى قرض مباشر، وفي أحيان أخرى يكون على شكل حقوق سحب خاصة، وفي الأغلب ما يهتم المقرضون بعوائد خدمات الدين، أو بإعادة التمويل ما يمثل سيلا مستمرا من التدفقات النقدية الكفيلة بمنح توزيعات مستدامة على أصحاب المصلحة.
ولهذا فإن المخاطر الأساسية التي ترتبط بالديون السيادية هي مشكلة التوقف عن سداد الفوائد وإعادة هيكلية الدين وجدولته ما يمثل تقلبات غير قابلة لتنبؤ بشأن التدفقات النقدية المستقبلية، وهذا يتسبب في موجة واسعة من الاضطرابات التي تصيب الأسواق تباعا. لهذا تسعى المؤسسات العالمية والدائنون ومجموعات الضغط جاهدة للتوصل إلى طرق لمعالجة ما يخشى كثيرون أن يكون موجة من أزمات الديون السيادية في الاقتصادات الناشئة هذا العام.
لقد كانت التداعيات الاقتصادية كبيرة لعديد من الدول خاصة تلك التي تعتمد في دخلها على السياحة أو تلك التي ترتكز في دخلها وسداد الديون على الضرائب التي قد انخفضت دون شك نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي في الدول، خاصة مع توقف عديد من سلاسل الإمداد وخروج الموظفين وارتفاع نسب البطالة وتكاليفها. فهذه الدول أصبحت فعليا عاجزة عن دفع خدمة الدين، كما أنها في الوقت نفسه تحتاج إلى تريليونات الدولارات من الإنفاق العام الإضافي لمساعدتها على التعافي من الأزمة، وفقا لصندوق النقد الدولي، ولم يعد أمام هذه الدول من حل إلا ما أشارت به المديرة العامة لصندوق النقد الدولي حول ضرورة إعادة هيكلة ديون هذه الدول حتى لا يمتد التأثير إلى بقية العالم.
لكن المسألة تصبح أكثر تعقيدا إذا كانت أعباء الديون بين أكبر 30 اقتصادا ناشئا قد ارتفعت 30 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر)، فالنظرة للدين السيادي بدأت تصبح سوداوية نوعا ما خاصة مع انخفاض العوائد فعليا، ومع القلق والتوتر الذي يسود العالم والخوف من موجات أخرى للفيروس فإنه لا بد من استجابة عالمية سريعة.
كما أن هناك مجموعة من الخيارات المتاحة حاليا، أولها مبادرة تعليق خدمة الديون من جانب الدول المقرضة وصناديقها السيادية لتخفيف الأعباء عن 46 من أفقر دول العالم، من بين 73 دولة مؤهلة، وتهدف هذه المبادرة إلى تخفف الضغوط على المالية العامة لكن حتى الآن هذه المبادرة تقتصر على قروض حكومات مجموعة العشرين وبنوكها السياسية وهي لا تمثل سوى نحو 35 في المائة من الدين العام المرغوب فيه.
أقدمت مجموعة العشرين على الإمساك بزمام المبادرة لتشجع الآخرين على اللحاق بها، والمبادرة الثانية تتعلق بما اقترحه صندوق النقد الدولي لتخصيص حقوق السحب الخاصة به، التي يمكن أن تبيعها الدول وتحصل على مقابلها نقدا، وهذا المقترح حقق نجاحا في أزمة عام 2009، حين تم تخصيص 250 مليار دولار استجابة للأزمة المالية العالمية، لكن هذا المقترح يواجه عقبة واحدة وهي رفض حكومة ترمب له والجميع يأمل في تغير الموقف مع الحكومة الأمريكية الجديدة.
أما المبادرة الثالثة فتعتمد على جهود المؤسسات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي الذي يعد فعليا أكبر المقرضين للدول الفقيرة فقد قدمت هذه المؤسسات قروضا أكثر من أي منظمة أخرى وأقرض صندوق النقد الدولي 102 مليار دولار إلى 82 دولة وخصص البنك الدولي 160 مليار دولار لقروض يتم تقديمها على مدى 15 شهرا، إضافة إلى 80 مليار دولار أخرى من قبل بنوك تنمية أخرى. والمبادرة ترتكز على تعليق خدمة الديون، خاصة أن بين 42.7 مليار دولار مستحقة على تلك الدول في مدفوعات 2020 هناك 13.8 مليار دولار مستحقة لأطراف متعددة. وتأمل مجموعة دول العشرين والجهات متعددة الأطراف أن تقنع المنظمات غير الحكومية، والناشطين في مجال الديون، والمقرضين متعددي الأطراف بالانضمام إلى مبادرة تعليق السداد، أو حتى إلغاء القروض المستحقة، وتلك هي المبادرة الرابعة حيث تم تشجيع المقرضين التجاريين ـ الذين يمتلكون نحو 19 في المائة من أرصدة الديون الخاصة على مبادرة تعليق خدمة الديون، بالنظر إلى أن لهم ديونا واجبة السداد هذا العام وحجمها يقدر بـ11.5 مليار دولار لكنهم لم يستجيبوا بعد.
إنشرها