تغيرات القوى العاملة .. هل كورونا مسؤولة؟

ستبقى آثار كورونا كوفيد - 19 في أنماط حياتنا وأعمالنا ربما إلى الأبد، وبالتالي سيستمر رصد ودراسة آثارها لفترة طويلة. من هذا المنطلق ستخصص هذه المقالة لرصد بعض آثارها في القوى العاملة في المملكة من خلال مقارنة بيانات مسح القوى العاملة للربع الثاني 2019 ببيانات مسح القوى العاملة للربع الثاني 2020.
بوجه عام، ازداد عدد المشتغلين السعوديين من 3.1 مليون إلى نحو 3.2 مليون، بزيادة قدرها نحو 81 ألفا، مقابل عدم التغير الكبير في عدد العمالة الوافدة التي تصل إلى 6.7 مليون، أي: إن المشتغلين السعوديين يمثلون 32 في المائة بعد استبعاد العمالة المنزلية. ولعل من أكثر التغيرات وضوحا ذلك الارتفاع الكبير الذي شهده معدل المشاركة الاقتصادية للنساء من 23 إلى أكثر من 31 في المائة، وهذا التغير الكبير يعد من ثمار رؤية 2030 التي تهدف إلى تمكين المرأة من العمل. أما تأثيرات كورونا المؤلمة فقد تركزت في البطالة، إذ ارتفع معدل البطالة للسعوديين من 12.3 في المائة في 2019 إلى 15.4 في المائة في عام 2020، وكان الارتفاع الأكبر في البطالة بين الذكور. ومن اللافت للنظر التفاوت الكبير في تأثيرها في معدلات البطالة في المناطق الإدارية، ففي حين قفز معدل البطالة في بعضها، مثل تبوك التي قفز بها من 4.8 إلى أكثر من 20 في المائة، وكذلك في القصيم من 5.1 إلى 21، وحائل من 10.4 إلى 22.7، ونجران من 14.6 إلى 22.7، فإن المعدلات انخفضت في منطقتين هما جازان والجوف، من 36 إلى 17.6 في الأولى، ومن 29.9 إلى 20.1 في الثانية. ليس من الصعب تفسير التفاوت بين معظم المناطق، الأمر الذي يعود إلى اختلاف المناطق في كثافة الأنشطة الاقتصادية والقدرة على امتصاص الصدمة الكبيرة، لكن يبقى الأمر محيرا والتفسير صعبا بالنسبة لانخفاض المعدلات في كل من جازان والجوف، فهل يعود ذلك إلى أمر ما لم نلاحظه أم أن ذلك بسبب عدم دقة البيانات؟
أما بالنسبة للمؤهل، فإن أكبر نسب المتعطلين من الذكور في عام 2019 يحملون مؤهلات في الأعمال التجارية والإدارية 18 في المائة، والتخصصات الهندسية والمهن المساندة 17، ثم الدراسات الإنسانية 16، لكن الصورة تغيرت عام 2020، حيث أصبحت العلوم الإنسانية في المرتبة الثانية وتكنولوجيا المعلومات والحاسب في المرتبة الثالثة. وبناء عليه، لا يمكن توجيه اللوم بارتفاع البطالة بالنسبة للرجال على العلوم الإنسانية وحدها، أما بالنسبة للإناث، فالصورة مختلفة، ففي عام 2019، تحتل المتعطلات من حملة المؤهلات الإنسانية المرتبة الأولى ويمثلن 30 في المائة، وبعدها العلوم التجارية والإدارية بنسبة 11 في المائة. ولم يتغير الوضع كثيرا في عام 2020. من جانب آخر، لم يتغير متوسط الأجور للمشتغلين السعوديين كثيرا، لكنه انخفض قليلا من 10342 إلى 9970 ريالا.
في الختام، استطاعت المملكة بمتانة اقتصادها ومبادرات الحكومة المدروسة، السيطرة على آثار أزمة كورونا التي يمكن أن تكون أكثر تدميرا، كما حدث في بعض الدول. ومن خلال متابعة الإحصاءات تتضح الحاجة الملحة إلى تحسين دقة بيانات القوى العاملة وشموليها تفاصيل أكثر على مستوى وحدات مكانية أصغر كالمحافظات والمدن ونحوها، وذلك من أجل تعزيز كفاءة الأداء في معالجة القضايا الملحة. إلى جانب ذلك، لعل مواصلة الجهود الرائعة في تحسين بيئة العمل والأجور في القطاع الخاص كفيلة باستقطاب مزيد من السعوديين. وأخيرا، أرى من المناسب النظر في فصل وزارة الموارد البشرية عن التنمية الاجتماعية من أجل تركيز الجهود والمشاريع، ومن ثم زيادة الفاعلية في معالجة القضايا المتعلقة بالموارد البشرية من جهة، والتنمية الاجتماعية من جهة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي