Author

مفهوم التطوع

|
توجه محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - للسيدة خديجة رضي الله عنها خائفا مما رأى من هول شخصية وحجم وهيبة جبريل عليه السلام عندما جاءه في غار حراء، ليقدم له أعظم هدايا التاريخ. جاء راكضا، وهو ينادي دثروني زملوني، وعندما اكتشفت أمنا خديجة رضي الله عنها ما شعر به من الخوف، قالت كلمتها، التي أصبحت عنوانا يهتدي به كل من يتبنى مكارم الأخلاق، إذ قالت له: "كلا، أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
يزخر تاريخنا بنماذج مثالية كانت رموزا في التقرب إلى المحتاجين ومراعاتهم والاهتمام باحتياجهم، لعل المؤسس الأول لهذه الثقافة هو محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، حيث كان المعين لكل محتاج، والمشارك لكل مكلوم والناصح لكل تائه. سيرته العطرة مليئة بأمثلة من قبيل إعانة كل من يحتاج إليه، ثم إنه صلى الله عليه وسلم زرع هذه المفاهيم في قلوب وعقول أصحابه الذين كانوا يتبعون سنته ويهتدون بهديه، وكلما كان أحدهم أقرب للنبي كان التزامه بمكارم الأخلاق أشد، ومن ذلك قصة الفرق بين الصديق والفاروق حين قالت العجوز، التي كان يتعهدها أبو بكر لعمر، أمات صاحبك؟ وعندما سألها. كيف عرفت؟ قالت: إنه كان يعطيني التمرة بعد أن ينزع منها النوى.
لا بد لنا أن نتذكر - رغم زحمة الحياة - ما علينا من الحقوق الشرعية والإنسانية والمجتمعية، فنحن نشاهد اليوم كما هائلا من التغيير الذي أدى إلى تباعد الناس وفقدان المعرفة بأحوال أقرب الأقربين للواحد منا، حتى إن كثيرا ممن يبحثون عمن يتصدقون عليه أو يعينوه غير قادرين على إيجاد المستحق الحقيقي لهذه الخدمات والصدقات.
تتجه كل الإدارات والوزارات إلى تحقيق مبدأ تعاوني مهم، وتأخذ كثيرا مما تقدمه المفاهيم الغربية في هذا الشأن، لكننا بحاجة أكبر لنبني مفهوم التطوع والبحث عما ينفع المجتمع بما ينصحنا به ديننا وننشره على كل المستويات، فالدين يوصي بالتقارب بداية والتعرف على احتياجات المجتمع من خلال التفاعل الإيجابي بين الجميع. هنا يأتي دور مهم أساسه غرس مفاهيم التطوع لدى الصغار والبحث عن كل مجالات الخدمة العامة الممكنة التي يستطيع كل منا أن يسهم فيها، من خلال تشجيع القدوات وإبراز الحسنات والإبداع في هذا المجال المهم.
إنشرها