Author

لماذا ترتفع وتنقص قيمة الأشياء؟

|
هل تنقص قيمة الأشياء؟ وما الأسباب التي تؤدي إلى نقص قيمتها؟ تطرأ علي هذه التساؤلات بشكل متكرر في كثير من المجالات والمواقف والظروف، فالعملة أيا كانت قوتها تزيد وتنقص، حسب الحالة الاقتصادية، فتعافي الاقتصاد يرفع من قيمة العملة، إلا أن زعزعة الاقتصاد والتضخم، يتسببان في انخفاض قيمة العملة، رغم ما قد يكون لها من احتياطيات عملات أجنبية، أو ذهب ومعادن ثمينة، لكن هذا لا يعني استمرار فقدانها قيمتها إذا ما أخذ في الحسبان الاسباب التي أدت إلى ذلك، والمسارعة إلى علاجها.
العقار كذلك سلعة تتعرض لانخفاض القيمة بسبب أعراض ضعف الاقتصاد العام، فقلة السيولة في أيدي الناس، والبطالة، يؤديان إلى انخفاض قيمة العقار لقلة الباحثين عن مساكن، سواء كان ذلك للاستئجار، أو الشراء. ولعل ما حدث أيام الطفرة حين أقرت الحكومة صندوق التنمية العقارية، يثبت ذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط، وتوافر السيولة، ما زاد الطلب على العقار بأنواعه كافة، إلا أنه، ومع انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات، تأثر الاقتصاد عموما، وتأثر العقار نتيجة ذلك، وانخفضت قيمته جراء ذلك.
انخفاض قيمة الأشياء يمتد إلى الأشياء غير المادية، كالوقت، فالبعض لا يرى قيمة للوقت، فتجده يمضي وقته في لهو وضياع، دون استثمار له في قراءة كتاب، أو العمل على شيء نافع له ولمجتمعه، مثل الأعمال التطوعية، أو ممارسة الرياضة، حتى إذا ما مر به العمر، وجد نفسه مفلسا لم يحقق إنجازا يسمو به، أو على أقل تقدير ما يضمن له حياة كريمة، فيتحول إلى عاطل، وعالة على أهله ومجتمعه، وذلك بسبب عدم إدراكه قيمة الوقت، ولم يأخذ بالمثل العربي القائل "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
التعليم، الذي أثبتت الحياة قيمته على مستوى الفرد والمجتمع، يوجد من الأفراد من لا يقيم له وزنا، حتى إنه لا يستفيد من الفرص التي يقدمها له مجتمعه للنهل من العلم، وكم تألمت وأنا أشاهد في يوم من الأيام شابا في إحدى الدوائر الحكومية لا يستطيع كتابة اسمه والتوقيع، وهذا الفرد قد يكون ضحية قناعة فردية خاطئة بعدم قيمة التعليم، أو قناعة أسرية ترى في التعليم تكلفة مادية، وضياعا للوقت، وكأنهم نسوا، أو لم يطلعوا على قول الشاعر:
العلم يرفع بيتا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف
كما أن المجتمعات تتفاوت في الإعلاء من قيمة العلم، أو التقليل من شأنه والتهوين من قيمته، ويتمثل الاهتمام من عدمه في افتتاح المدارس، والمعاهد، والجامعات، لرفع وعي الناس، وإعداد الكوادر في المجالات المختلفة، وعلى النقيض من ذلك المجتمعات التي تجعل التعليم في أدنى سلم الاهتمامات، وواقع مجتمعات الحاضر يشهد، حيث التقدم والتطور في مجتمع، بينما التأخر والجهل مطبق في مجتمع آخر، ومن لا يدرك قيمة التعليم يغلب عليه الاهمال، وعدم بذل الجهد اللازم، وكأن الشاعر العربي يخاطب هؤلاء بقوله:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
البحث العلمي مرتبط بالتعليم، وما من مجتمع يعطي الاهتمام بالبحث العلمي إلا يوفر متطلباته المادية والبشرية من باحثين، ومساعدي باحثين، ورصد الأموال الكافية، وما سعي الدول إلى اكتشاف وتصنيع دواء وباء كوفيد، إلا مثال بارز على الفرق في إدراك قيمة البحث، ودوره في نمو وتطور المجتمع، وحل مشكلاته، وكم من موقف نقاش شهدته بشأن البحث العلمي كشف التقليل من قيمة البحث، والتأليف، حتى إن البعض يرى أن البحث ما هو إلا مضيعة للوقت، والمال، والجهد، وحال هؤلاء ينطبق عليه المثل القائل "من لا يعرف قيمة الصقر يشويه".
الحياة عموما، ليس لها قيمة تذكر عند البعض، سواء فيما يخصهم، أو فيما يخص الآخرين، فتراهم يعبثون، ولا يقيمون وزنا لما يصلح وضعهم في الحياة، ويحسن من مستواهم المعيشي، لذا يستمرون في سلم اجتماعي متواضع، ويرضون بهذا الأمر، لأنهم لم يبحثوا عن الوسائل التي تغير من وضعهم، وترفع من جودة حياتهم، وترتبط بالحياة قيمة الإنسان، وما يفترض أن يعاملوا به، والمحافظة على كرامتهم التي منحها الله لهم، بل ربما تجاهلهم، كما يحدث في دول العالم.
إنشرها