Author

الرياض وقمة العشرين

|
قبل 13 عاما، وتحديدا عام 2008 انضمت المملكة إلى مجموعة العشرين في مؤتمر واشنطن، ومنذ ذلك التاريخ، والمملكة ملتزمة بمبادئ المجموعة وأصبحت عضوا فاعلا في هذا التجمع الاقتصادي، وفي عام 2019 استلمت المملكة رئاسة المجموعة لتعقد القمة الـ 15 في الرياض خلال الفترة 21 - 22 من نوفمبر لعام 2020 وهذا ما حدث بالفعل، إذ عقدت بمشاركة رؤساء الدول الأعضاء، برئاسة الملك سلمان، وحضور دول إقليمية، وقارية تمثل مجموعات كالمجموعة الإفريقية، ومجموعة الآسيان، والاتحاد السويسري، والسنغال بصفتها رئيسة الشراكة لتنمية إفريقيا، والأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين، والبنك الإسلامي، وصندوق النقد العربي والإمارات بصفتها رئيسة مجلس التعاون الخليجي ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الفاو، ومنظمة التجارة العالمية.
عقدت القمة في ظروف استثنائية يشهدها العالم، حيث جائحة كوفيد - 19، مع ما أحدثته من آثار اقتصادية أثرت كثيرا في اقتصادات الدول، وتغيرات في النظام الحياتي في سائر المجتمعات، لكن المملكة تمكنت من تنظيم المؤتمر بكل كفاءة واقتدار، وبجهود وخبرات أبنائها من الذكور والإناث، الذين أعطوا من وقتهم رغم الجائحة، لتظهر القمة بما يليق بالمملكة ومكانتها الدولية.
من أجل التحضير للقمة عقدت اجتماعات وزراء، ونواب وزراء، ووكلاء وزارات، ومختصين، وورش عمل في كل المجالات ذات العلاقة بمواضيع القمة، وذلك لجعل كل المعلومات أمام رؤساء الدول، والدول والجهات المدعوة لتكون القرارات على مستوى الحدث، وبما يؤسس لأعمال وأنشطة اقتصادية، ليس بين الدول الأعضاء فقط، بل على المستوى الدولي، وبما يعود بالنفع على كل المجتمعات.
ما لفت انتباهي في التحضير للقمة اجتماعات مجموعات التواصل، وهي مجموعة الأعمال ومجموعة الشباب ومجموعة العمال، ومجموعة العلوم، ومجموعة المجتمع الحضري، ومجموعة الفكر، ومجموعة المجتمع المدني، ومجموعة المرأة، ومجموعة قادة اقتصاد الفضاء، وهي مجموعة غير معتمدة بعد. المتأمل في هذه المجموعات يلمس أنها تمثل شرائح مهمة في نمو الاقتصاد في أي مجتمع، وعلى الصعيد الدولي إذ إن المجالات التي تتعامل معها هذه المجموعات ذات قيمة أساسية في نمو وتطور الاقتصاد، خاصة عندما يتحقق التعاون، والاستفادة من خبرات الدول، والمنظمات المشاركة في قمم مجموعة العشرين.
في شهر مارس الماضي دعت المملكة إلى مؤتمر قمة طارئ بهدف مواجهة جائحة كوفيد - 19، وأثمرت القمة عن مزيد من التنسيق بين الدول، والجهات المعنية بهدف التوصل إلى إجراءات يتم بموجبها محاصرة الجائحة، والتقليل من آثارها الصحية والاقتصادية، ولعل ما نسمعه في الوقت الراهن من التوصل للقاحات في أكثر من بلد جاء نتيجة الدعم الذي قدم للعلماء والمختبرات، والشركات المعنية بصناعة الأدوية، إذ قدمت دول مجموعة العشرين 22 مليار دولار.
العالم يشهد تغيرات كبيرة في كل المجالات، ومع أن محور اهتمام مجموعة العشرين الاقتصاد، إلا أن الاقتصاد لا يمكن فصله عن مجالات عدة منها الصحة، والتعليم، والثقافة، والفكر، والتقنية، فهذه المجالات تؤثر وتتأثر في الاقتصاد، فالتعليم القوي ذو الجودة العالية، والمخرجات الجيدة تظهر آثاره في الاقتصاد تنوعا وقوة، والاقتصاد الجيد يسهم في إيجاد أفراد أصحاء لجودة الغذاء، ومتانة النظام الصحي، ولا ننسى الفكر الذي ينتج الفلسفات والنظريات الاقتصادية والاجتماعية.
أيام الحرب الباردة بين أمريكا، والاتحاد السوفياتي كان العالم يتنازع بين القطبين في فلسفتيهما المتناقضتين، وكانت الدول الأخرى ما بين آخذ بالفلسفة الاشتراكية اقتصاديا واجتماعيا، وما بين آخذ بالفلسفة الرأسمالية، لكن بسقوط الاتحاد السوفياتي أصبح العالم يحكم بقطب واحد هو أمريكا التي استحدثت منظمة التجارة العالمية كإحدى أدوات تسويق بضاعتها المادية، والثقافية، والقيمية، ونظام حياتها، وكما قال الرئيس بوش الابن: "لنجعلهم يعشقون شطائرنا ونظام حياتنا".
فلاسفة، ومفكرون، ومثقفون، وبعض سياسيي الغرب بدأوا يصرحون بصوت عال أن الحضارة الغربية إلى أفول، نظرا لما تعانيه من تخلخلات اجتماعية، وضعف في بناء الأسرة، وغياب للقيم الأصيلة، ومع هذا الواقع أرى أن المملكة بإمكانها العمل على بث ثقافة تقوم على العدل، والإحسان، والمساواة، وتكافؤ الفرص والصدق والأمانة لمواجهة مصادر الخلل في المنظومات الاجتماعية، والاقتصادية على مستوى العالم، وذلك من خلال مجموعات الاتصال، ليس في تأصيل المفاهيم، بل في رسم الأنظمة، والسياسات، وآليات التنفيذ.
إنشرها