جائحة الديون وإعادة التفاوض في «العشرين» «2 من 3»

وفي ظل الارتفاع الحاد في الاحتياجات التمويلية بشكل متزامن في مجموعة كبيرة من البلدان، ثمة احتياج متزايد غير ملحوظ بعد إلى إعادة هيكلة كثير من الديون بقدر لم يشهده العالم منذ أزمة الدين التي وقعت في الثمانينيات. وينبغي أن يكون المقرضون الرسميون على استعداد لاتخاذ اللازم. ولكنهم سيواجهون معوقات في هذه الحالة نتيجة اتجاهين ظهرا منذ فترة بمعزل عن أزمة "كوفيد – 19"، ويمكن اعتبارهما بمنزلة "عوامل مسبقة". أولا، أصبح دائنو القطاع الخاص يطالبون بنصيب ضخم من المبالغ المسددة عند إعادة هيكلة الديون. وعلى الرغم من أن الديون المستحقة للقطاع الرسمي لها أولوية على الديون المستحقة للقطاع الخاص من الناحية النظرية، تشير معظم التجارب التاريخية إلى العكس. فخلال أزمة الدين التي شهدتها الأسواق الصاعدة في الثمانينيات، نجح دائنو القطاع الخاص في استرداد أموالهم بينما قدم الدائنون الرسميون مزيدا من القروض وشهدت أزمة الدين الأوروبية تطورات مماثلة عندما تحمل المستثمرون بعض الخسائر بالفعل في اليونان، حيث أمكنهم استرداد جزء كبير من أموالهم، وقدمت حكومات منطقة اليورو قروضا ضخمة لتيسير عملية السداد وتكرر هذا النمط على مدار قرنين من الإقراض الخاص والرسمي، حيث يتدخل المقرضون الرسميون في الأغلب عندما يتراجع مستثمرو القطاع الخاص ويثير تحليل تم إجراؤه أخيرا لمقارنة الخسائر "الناتجة عن تخفيض الدين ضمانا للسداد" التي يتحملها الدائنون الرسميون ودائنو القطاع الخاص المزيد من الشكوك حول الأولوية المفترضة لقروض القطاع الرسمي " وينبغي ألا تكون هذه النتائج مثيرة للدهشة. فالحكومات عموما لها تاريخ في حماية الدائنين المحليين الذين يقرضون أموالهم في الخارج "بنوك شمال أوروبا في حالة اليونان على سبيل المثال"، كما تعبأ في الوقت نفسه بالحفاظ على الاستقرار والرخاء في البلد المقترض. ويؤدي هذا السلوك الإيثاري بدوره إلى إضعاف قدرة القطاع الرسمي على التفاوض — ولا سيما في مواجهة دائني القطاع الخاص. لذلك قد يجد الدائنون الرسميون أنفسهم مسؤولين في نهاية المطاف عن الجانب الأكبر من الخسائر حتى إن حملوا في البداية قدرا ضئيلا فقط من الدين المستحق، كما في حالة اليونان. ويتمثل التحدي الآخر في سياسة الامتناع عن المشاركة في إعادة الهيكلة والتقاضي التي يلجأ إليها مستثمرو القطاع الخاص أخيرا لتجنب شطب وإعادة هيكلة جزء كبير من الديون المستحقة لهم. فمع تراجع عدد عمليات إعادة الهيكلة، تضمنت نسبة متزايدة منها نزاعات قضائية. وعلى الرغم من أن ذلك لا يفسر تماما نجاح القطاع الخاص في زيادة نصيبه في عمليات إعادة هيكلة الديون، فإنه أحد أسباب الاختلالات. أما العامل المسبق الآخر فيتمثل في استمرار أزمات الدين لفترات زمنية طويلة. فحسب المقولة الشهيرة لرئيس سيتي بنك الأسبق ويليام رودز خلال أزمة الدين التي وقعت من السهل تأجيل سداد الدين. ولكن الخروج: "في الثمانينيات من هذه الدائرة أمر صعب"، وقد استمرت فترات التعثر سبعة أعوام في المتوسط قبل تسوية الدين، وتتضمن عادة عمليات إعادة هيكلة متعددة. ولسوء الحظ، قد تتحول إعادة هيكلة الدين إلى مساومة في الأغلب ما يكون فيها البلد المدين مستعدا لزيادة ديونه مستقبلا مقابل تخفيض المدفوعات المستحقة عليه حاليا "وله الحق في ذلك"، وعازما تماما على إعادة هيكلة الدين مجددا إذا لزم الأمر. ويساعد هذا التأخر الجانبين أيضا على التفاوض من أجل الحصول على مزيد من الأموال من الدائنين الرسميين وفي الأغلب ما قد يكون الدائنون مستعدين لتجديد الدين مرة بعد مرة "على الدوام" لتحسين صورة ميزانياتهم العمومية مؤقتا. وفي السيناريو الأسوأ، آخر في مسيرة "عقد ضائع" قد تؤدي أزمة "كوفيد – 19" إلى التنمية وتأخر تسوية الديون لفترات طويلة. إلا أن دول مجموعة العشرين طرحت مبادرة مميزة تتضمن عديدا من الحلول للدول المتعثرة في الدين العالمي وأعد وزراء المالية تصور معين لها وفق مقترحات إيجابية وبرمجة محددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي