أوروبا في زمن بايدن

"العلاقات مع واشنطن ستكون الآن أكثر إثمارا وإيجابية"
جوزيبى بوريل، ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي
لم ينتظر القادة الأوروبيون موعد الإعلان الرسمي لفوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، لتوجيه التهنئة له بالفوز. أجروا الاتصالات مع الرئيس المنتخب، وكأنهم يتبارون من يكون الأسرع بينهم لتقديم التهنئة. وهذا يكفي لتأكيد حقيقة سادت ساحة العلاقات الأمريكية - الأوروبية لأربعة أعوام تقريبا، وهي أن هؤلاء القادة يرغبون في إدارة أمريكية ديمقراطية، تتعامل معهم بصورة مغايرة لتعاملات إدارة الرئيس دونالد ترمب. ولعل ما كتبته عمدة مدينة باريس آن هيدالجو، في تغريدة لها قبل الإعلان الرسمي عن فوز بايدن، يلخص المشهد العام بالفعل. ماذا كتبت؟ welcome back America أمريكا .. أهلا بعودتك". ولولا المحاذير الدبلوماسية، لرقص قادة أوروبا فرحا من نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. فالعلاقات بينهم وبين ترمب وصلت إلى حد التراشق العلني بعبارات غير لائقة، بل أحيانا معيبة.
العلاقات الأوروبية - الأمريكية ظلت منذ الحرب العالمية الثانية خاصة، وهي خاصة جدا على الصعيد الأمريكي - البريطاني بفعل الترابط التاريخي المعروف بين لندن وواشنطن. ولأنها كذلك، كان غريبا حقا أن تصل إلى الدرك الأسفل في عهد إدارة ترمب. فهذا الأخير - على عكس بايدن - لم يعر اهتماما لقيم ومعايير التحالف مع الدول الغربية، وهو معروف حتى بين أنصاره بأنه لا يحب سياسة التحالفات، ويعتقد أنه من الأجدى أن تتشكل وتتدعم العلاقات وفق الأطر الثنائية. وهنا برزت المشكلة. فالأوروبيون لا ينظرون إلى علاقاتهم مع الولايات المتحدة من الناحية السياسية فقط، بل من الجهة المصيرية أيضا، نظرا للروابط الجامعة معها، وللأحداث العالمية التاريخية المحورية التي شكلتها طوال القرن الماضي. فضلا عن التشابه في النظم السياسية على طرفي الأطلسي.
حدد جو بايدن، حتى قبل الانتخابات الأمريكية، منهجا سياسيا دوليا يستند في الأساس إلى التحالفات، الأمر الذي أزال كثيرا من المخاوف الأوروبية في هذا المجال. فالرجل لا يريد العزلة لبلاده، التي تمثل محورا عالميا فاعلا رئيسا. وهو عكس ترمب يدعم بقوة مؤسسة الاتحاد الأوروبي، بل يرى فيها داعما للسلام والأمن الدوليين، فضلا عن دورها المؤثر في الساحة الدولية في كل المجالات. وفي الوقت الذي شجع فيه ترمب بريطانيا لإتمام انسحابها النهائي من الاتحاد الأوروبي، عبر بايدن عن أسفه لهذا الانسحاب، بل وضع عقبات حقيقية أمام خروج المملكة المتحدة من الكتلة الأوروبية دون اتفاق تجاري يحمي المكتسبات، وفي مقدمتها اتفاق السلام في الجزيرة الإيرلندية الذي رعته - كما هو معروف - الولايات المتحدة في عهد الرئيس بيل كلينتون قبل 20 عاما.
موقف بايدن الإيجابي من الاتحاد الأوروبي، دفع إنريكو ليتا رئيس الوزراء الإيطالي السابق، للتأكيد أن وصول بايدن للبيت الأبيض سبب مشكلة كبيرة للمناهضين للمؤسسة في أوروبا. من هنا يخشى واحد مثل بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، من السياسة الأمريكية الخاصة بالاتحاد. فقد أعلن الديمقراطيون صراحة ألا يفكر جونسون وزملاؤه في عقد اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، إذا لم يكن هناك اتفاق بين لندن وبروكسل يحمي نتائج الاتفاق الإيرلندي. وهذا يعني أن المملكة المتحدة لن تتمكن من الانفصال عن الاتحاد الأوروبي إلا باتفاق، وبذلك تذهب تهديدات المسؤولين فيها بأنهم مستعدون للانسحاب دون اتفاق أدراج الرياح. فالأولوية الأمريكية في عهد بايدن للاتحاد، لا لبريطانيا ولا فرنسا ولا ألمانيا أو غيرها.
سيتم إقفال كثير من ملفات القضايا الخلافية بين أوروبا والولايات المتحدة التي انفجرت في ظل إدارة ترمب. وفي مقدمتها اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها هذا الأخير، وسيعود بايدن إليها في اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض. وكذلك الأمر بالنسبة للرؤية الخاصة بمستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهذه نقطة محورية مهمة بالنسبة للأوروبيين، خصوصا بعد أن شهدت وضعية الحلف بعض الزعزعة في الأعوام الأربعة الماضية. إلى جانب طبعا انسحاب ترمب من منظمة الصحة العالمية في عز تفشي وباء كورونا المستجد، وانسحابه أيضا من معاهدات الحد من التسلح مع روسيا، وغير ذلك من الاتفاقيات الدولية. كل هذا كان ينشر التوتر في العلاقات الأمريكية - الأوروبية، وأنهى في الواقع بصورة أو أخرى صيغة التحالف بين الطرفين.
بالطبع هناك خلافات تجارية كبيرة سادت فترة رئاسة ترمب مع الاتحاد الأوروبي، أدت إلى تبادل فرض الرسوم الجمركية الإضافية، حتى أوصلت المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين إلى حد التلاسن العلني. لكن كل المؤشرات تدل على أن هذه الخلافات يمكن أن تحل بسهولة، خصوصا في ظل استراتيجية بايدن التي تستند إلى الحوار والمفاوضات. فالمسؤولون الأوروبيون اتصلوا بالفعل بفريق بايدن التجاري، على أمل تعزيز أجندة تجارية إيجابية مستقبلا. لا أحد يشكك في عودة التناغم الأمريكي - الأوروبي في ظل إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض. فكل المؤشرات تدل على ذلك، فضلا عن سياسة التحالفات التي يؤمن بها الرئيس الأمريكي المنتخب. تكفي الإشارة هنا، إلى أنه مع وصول ترمب إلى الحكم صنف الاتحاد الأوروبي علنا عدوا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي