الاقتصاد والشح

يتفاوت الناس في علاقتهم بالمال وفي قدرتهم على كبح جماح التعلق به تفاوتا كبيرا. نعم، حب الإنسان للمال أمر جبلي فطري "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة..." الآية. لذا، فلا يلام شخص ما على حبه للمال وسعيه إلى اكتسابه، بل إنه قد ورد الثناء على من اكتسب المال بطرق مشروعة، وهو صالح في نفسه، لأنه حتما سينفقه في سبيل الخير "نعم المال الصالح للعبد الصالح". نسمع بين الحين والآخر من يقول، "فلان مقتصد، أو فلان شحيح"، ويظن البعض أن هذين المصطلحين متشابهان، لكن الحق أنهما على طرفي نقيض، وأن البون بينهما شاسع والفرق كبير. ومن أفضل من شرح الفرق بينهما ابن قيم الجوزية في كتابه "الروح"، الذي بين فيه أن الاقتصاد خلق محمود، يتولد من خلقين: عدل وحكمة، فبالعدل في المنع والبذل وبالحكمة يضع كل واحد منهما موضعه الذي يليق به فيتولد من بينهما الاقتصاد وهو وسط بين طرفين مذمومين.. كما قال تعالى "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. وأما الشح فهو، خلق ذميم يتولد من سوء الظن وضعف النفس، ويمده وعد الشيطان حتى يصير هلعا، والهلع شدة الحرص على الشيء والشره به، فيتولد عنه المنع لبذله والجزع لفقده. كما يجب التفريق بين الشح والبخل، فالشح أسوأ من البخل، فالشحيح لا يكتفي بأن يكون شحيحا على ما في يديه، بل يتجاوز ذلك بأن يشح على ما في أيدي الناس ليأخذه. وإذا كان الشاعر العربي يسب البخل:
ذريني فإن البخل يا أم هيثم
لصالح أخلاق الرجال سروق
فما بالك بالشح الذي يقول الله فيه "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون". ويقول فيه الصادق المصدوق "اتقوا الشح، فإنه أهلك من كان قبلكم..." الحديث. لأن الشح يعني حرص الإنسان على الدنيا حرصا شديدا، يحمله على القطيعة، وعلى منع الزكاة ومنع الحقوق. لقد خلق الله للبشر موارد كثيرة لينتفعوا بها، لكنه - سبحانه - أراد لهم استهلاكها وفق قاعدة اقتصادية استهلاكية واضحة "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي