إيران .. دولة مخابرات عملاؤها ينشرون الفوضى ويهددون العالم

إيران .. دولة مخابرات عملاؤها ينشرون الفوضى ويهددون العالم

إيران .. دولة مخابرات عملاؤها ينشرون الفوضى ويهددون العالم
للتعاون مع حزب الله اللبناني أهمية كبيرة للعمل في ساحات الشرق الأوسط.

"مرة بعد أخرى رأى العالم أجمع استغلال النظام الإيراني الجهود الدولية السلمية، في زيادة نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب، وإهدار مقدرات وثروات الشعب الإيراني، لتحقيق مشاريع توسعية لم ينتج عنها إلا الفوضى والتطرف والطائفية"، بهذه الكلمات الواضحة والمباشرة حذر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز المجتمع الدولي في أول خطاب له للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء، داعيا إلى حل شامل لمنعها من الحصول على أسلحة دمار شامل.
ومنذ عام 1979 وتعمل إيران عبر أجهزة مخابرات على تصدير ثورتها إلى العالم وسخرت كل مؤسسات الدولة الإيرانية الحديثة لتحقيق هذا الهدف، ومنها وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني. وعلي الرغم من دور هذه الأجهزة في نشر الشر والخراب والدمار وأعمال التصفية إلا إن الدراسات حول أعمالها ومكوناتها قليلة ومن هذه الدراسات دراسة مهمة للباحث فراس إلياس، حيث كتب فيها "مرت الاستخبارات الإيرانية بعديد من المراحل التاريخية، لكي تصل إلى الصورة التي هي عليها اليوم، إذ إن الأسس الرئيسة للعمل الاستخباري في إيران، تعود إلى النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، التي وضعت من قبل الملك الفارسي كيروش، أما الملك داريوس الأول فقد نجح بفضل المراكز البريدية التي أنشأها كيروش في قمع الحركة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة بابل، إذ نفذ عملية استخبارية سرية أطلق عليها Zapiros، التي قضت على هذا التمرد من الداخل، لتأتي الإمبراطوريات اللاحقة الساسانية والصفوية والقاجارية، لتكمل ما بدأته الإمبراطورية الأخمينية... ليتحول لاحقا جهاز المخابرات الإيراني إلى وزارة قائمة بحد ذاتها عام 1984، أي بعد انتصار الثورة الإيرانية، باسم وزارة الاستخبارات والأمن الوطني VEVAK، لتتفرع إلى عديد من المؤسسات والدوائر المخابراتية لتشمل أنشطتها مختلف دول العالم، وتحت كثير من العناوين".
ويقول إلياس "تتكون أجهزة الاستخبارات الإيرانية الحديثة من عدة مؤسسات رئيسة كوزارة الإعلام، وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، جهاز الاستخبارات العسكرية ومكافحة التجسس، وزارة الإعلام، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، جهاز استخبارات قوة القدس، وغيرها من الأجهزة الاستخبارية الفاعلة والنشطة، وتمتلك هذه المؤسسات الخدمات والمهنيين والخبراء، مجهزين جيدا بأدوات متقدمة تقنيا من الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، فعلى سبيل المثال، لدى وزارة الاستخبارات والأمن الوطني فريق عمل يتكون من أربعة آلاف موظف، و نحو 30 ألف عميل في أكثر من 40 دولة، وتشارك في عديد من الفعاليات الاستخبارية المحلية والدولية، إلى جانب جهاز استخبارات قوة القدس، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخبارية عن المعارضين، ومكافحة التجسس، وجمع المعلومات عن الدول المجاورة، وما شابه ذلك، هذا إلى جانب أن جهاز الاستخبارات العسكرية والاستخبارات المضادة، مسؤول عن دعم مكافحة التجسس لكل هياكل "القوة" في إيران".

الحرس الثوري قوة مخابراتية

إن الحرس الثوري، حاله حال الجيش الإيراني، يتمتع بالضوابط ذاتها في زمن السلم وزمن الحرب، كما أنه يتميز بتطور المعدات التقنية ومستوى الموظفين وقدراته الفائقة، واستيعاب أفضل المجندين لوحداته القتالية، وتساعده في ذلك جامعة الإمام الحسين، وتعد قوة القدس بمنزلة القوة الضاربة ضمن هيكل القوات الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، إذ تطلع قوة القدس بمهام تتعلق بحماية المصالح الإيرانية في الخارج، باستخدام أساليب محددة، كما يعمل موظفو جهاز استخبارات قوة القدس تحت غطاء قانوني "كدبلوماسيين وملحقين عسكريين"، أو كمهاجرين غير شرعيين، والمهام الرئيسة له: إجراء الاستطلاعات التجسسية، وإنشاء شبكات عملاء من خلال تجنيد الإسلاميين المحليين، وأولا وقبل كل شيء في الشتات الإيراني في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا وإفريقيا، وفي الدول التي يتأصل فيها الشيعة اللبنانيون تحديدا، وتعتمد هذه الخدمات الإيرانية الخاصة على شبكة من المساجد المحلية، والمدارس الدينية، والمنظمات الثقافية والخيرية، وحتى شبكات غسل الأموال والمخدرات وغيرها، إذ تساعده في هذه المهمة الأجهزة الاستخبارية التابعة لحزب الله اللبناني هناك.
فعلى سبيل المثال، لتنفيذ أكثر العمليات حساسية - كعمليات التصفية في أوروبا وآسيا - تستخدم إيران مهاجرين من لبنان لتنفيذ أعمال إرهابية، وبشكل عام تفضل العمليات الإيرانية الخاصة الاعتماد على الأقليات القومية أو الدينية، ففي تركيا تعمل الاستخبارات الإيرانية مع الأكراد أو العلويين، وفي لبنان مع العرب الشيعة، وفي المملكة المتحدة مع الإيرلنديين، وفي كل مكان، ودائما يتم إعطاء الأفضلية للشيعة أو المسيحيين على الآخرين، وكقاعدة عامة، يتم دعم الهنود الإيرانيين والطاجيك وغيرهم من القوميات الأخرى، ثم الساميين والأتراك، الذين لا يُستخدمون إلا إذا لم يكن هناك من يعتمد عليهم، وعلى هذا النحو.
وبفضل المزيج المتنوع للمؤسسات الاستخبارية الإيرانية، تتمتع إيران اليوم بعملاء في جميع دول الشرق الأوسط تقريبا، وفي عديد من الدول الإفريقية، وفي أفغانستان وباكستان وطاجيكستان، إضافة إلى ذلك، يمتد التأثير الإيراني إلى المنظمات والمجتمعات الإسلامية في جنوب شرق آسيا، والأمريكتين الشمالية والجنوبية، وأوروبا الغربية.

شبكات استخبارية متنفذة

يشير إلياس في دراسته إلى أن لدى إيران عديدا من الشبكات الاستخبارية في عديد من دول الخليج والشرق الأوسط، خصوصا في الدول التي توجد فيها أقليات شيعية مثل دول الخليج، فخلية العبدلي الاستخبارية التي تم الكشف عنها في الكويت عام 2015، مثال واضح على الكيفية التي تعمل بها الاستخبارات الإيرانية في دول الخليج، هذا إلى جانب الدور الذي تلعبه سرايا الأشتر والمختار في إرباك الأوضاع الأمنية في البحرين، كما ينشط عديد من الشبكات الاستخبارية الإيرانية في بعض دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية أو شرق آسيا، تحت أغطية دينية وإنسانية وثقافية وغيرها، التي تشكل في مجملها تحديات كبرى تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبار أن الجهد الاستخباري الإيراني وصل إلى تخوم الأمن الوطني الأمريكي، خصوصا في كوبا وبوليفيا وفنزويلا والبرازيل، ففي يوليو 2013 قدمت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا إلى الكونجرس الأمريكي يزعم أن النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية آخذ في التضاؤل، مشيرا إلى عدم الحاجة إلى تغيير نهج الولايات المتحدة هناك، وطعن أعضاء في الكونجرس، وخبراء أمريكيون ودوليون في الاستنتاجات الواردة في هذا التقرير، استنادا إلى الأدلة المتزايدة على ما هو عكس هذا الاتجاه، بما في ذلك ازدياد الاتفاقيات الثنائية، والبعثات الدبلوماسية، وتعاظم وجود عملاء من وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، والحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، كما أن هناك دراسة سبقت هذا التقرير للكونجرس الأمريكي في عام 2012 حول وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، تشير إلى بعض الطرق والتكتيكات التي توظفها الاستخبارات الإيرانية لتوسيع نطاق عملياتها وقدراتها في أمريكا اللاتينية، ومنها أن العملاء قد يمارسون نشاطهم سرا كدبلوماسيين في السفارات الإيرانية، أو في وظائف أخرى في الشركات مثل الخطوط الجوية الإيرانية، أو فروع البنوك الإيرانية، أو حتى شركات القطاع الخاص، ومع ذلك، فإن التقرير الذي قدم بعد ذلك ببضعة أشهر من جانب وزارة الخارجية، بموجب قانون التصدي لإيران في أمريكا اللاتينية، لم يأخذ فى الحسبان الوقائع التي اطلعت بها إيران أو حزب الله في هذه المنطقة، خصوصا في مجال الاتجار بالمخدرات وغيرها.
إذ نجحت إيران في تجنيد أغلب الجماعات الشيعية المنتشرة في دول العالم، تحديدا الجاليات اللبنانية، وتوظيفهم في جمع المعلومات الاستخبارية عن المصالح والأهداف التي تحددها وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، وذلك من خلال التنسيق مع حزب الله اللبناني، ومكتب العلمليات الخارجية التابع لقوة القدس الإيرانية.

تجسس إلكتروني

عملت إيران على إنشاء عديد من الجيوش الإلكترونية في داخل إيران وخارجها، التي تعمل جميعها ضمن السياسات العامة التي يضعها المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، ومن أبرزها الجيش الإلكتروني الإيراني، وجيش الباسيج الإلكتروني، والجيش السوري الإلكتروني، وكتائب القسام وغيرها، التي نفذت عديدا من الهجمات السيبرانية في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها، التي كان منها الهجمات التي شنتها كتائب القسام الإلكترونية على بعض المواقع الأمريكية في يوم 8 أبريل 2018، ردا على الهجمات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية على بعض المواقع الإيرانية قبلها بيوم، هذا إلى جانب الدور الذي لعبته وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية في حجب عديد من المواقع الإلكترونية الإيرانية منذ عام 2009 حتى اليوم، التي تأتي جميعها ضمن إجراءات احترازية تقوم بها وزارة الاستخبارات، للحفاظ على سلامة النظام السياسي كما تدعي، التي كان آخرها جهودها في حجب خدمة التليجرم عن الداخل الإيراني، والاستعاضة نيابة عنه بتطبيق "سورش" المراقب من قبلها بصورة دقيقة.

تجسس ميداني

بالنظر إلى طبيعة التقنيات الاستخبارية التي تعتمدها الاستخبارات الإيرانية، فإن قدرتها على جمع المعلومات السرية ستظل محدودة، كما أن التقنيات اللوجستية التي تعتمدها في إطار عمليات تقديم الدعم لعناصرها الاستخبارية في الخارج تضع كثيرا من الأسئلة حول فاعلية عملياتها الاستخبارية، تحديدا إذا ما نظرنا إلى أن إيران تميل إلى العنف في عملياتها الاستخبارية، وهو ما يجعل من هذه الحالة ماركة مسجلة باسم العلميات التي تقوم بها العناصر الاستخبارية الإيرانية في الداخل أو الخارج، كما أن هذا النوع من العمليات الاستخبارية يكون سهل الكشف من قبل الوكالات الاستخبارية الأجنبية، ما قد يعرض كل الشبكات الاستخبارية الإيرانية في الخارج لعمليات الكشف والملاحقة من قبل الوكالات المحلية.
ومثال ذلك ما أعلنت عنه قبل عامين الاستخبارات الفرنسية في يوم 2 أكتوبر 2018، من أن الاستخبارات الإيرانية تقف خلف الهجوم المحتمل على مؤتمر للمعارضة الإيرانية في مدينة فيلبانت قرب باريس يونيو الماضي، وأضافت "...وراء هذا، كان هناك تحقيق طويل ودقيق ومفصل أجرته أجهزتنا، ومكننا من التوصل إلى هذه النتيجة، وهي أن المسؤولية تقع دون شك على عاتق وزارة الاستخبارات الإيرانية"، وفي وقت لاحق جاء في بيان مشترك لوزارات الخارجية والداخلية والاقتصاد الفرنسية "أحبطنا محاولة هجوم في فيلبانت يوم 30 يونيو، حادث بمثل هذه الخطورة على ترابنا الوطني لا يمكن أن يمر دون عقاب"، واتخذت فرنسا، بناء على ذلك، إجراءات ردا على المخطط المزعوم، تمثلت في تجميد أصول مملوكة للاستخبارات الإيرانية وأخرى لمواطنين إيرانيين اثنين هما أسد الله أسدي وسعيد هاشمي، كما استهدفت أيضا وحدة سرية تابعة للاستخبارات الإيرانية.
من خلال كل ما تقدم يمكن القول إن الفاعلية الرئيسة التي أظهرتها وزارة الاستخبارات الإيرانية، كانت ضمن المجال الحيوي الإيراني "العراق، سورية، الخليج العربي، القوقاز، تركمانستان، أفغانستان، باكستان، وطاجيكستان"، أما خارج هذه الحدود الجغرافية فقد واجهت وزارة الاستخبارات الإيرانية تحديات صعبة للغاية، سواء على مستوى العناصر البشرية أو الأهداف الاستراتيجية، بل يمكن الإضافة أيضا أن وزارة الاستخبارات الإيرانية نتيجة لمثل نقاط الضعف هذه، فإن إيران عمدت إلى إيلاء كثير من المهام الاستخبارية إلى قوة القدس، على اعتبار أنه الجهاز الوحيد القادر على المواءمة بين العمليات الاستخبارية والأمنية في آن واحد، بحكم طبيعة العلاقات التي يمتلكها مع عديد من الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، وهذه الميزة هي التي جعلت النظام الإيراني اليوم يولي جهاز الاستخبارات التابع لقوة القدس وبالتعاون مع جهاز استخبارات حزب الله اللبناني أهمية كبيرة للعمل في ساحات الشرق الأوسط، فيما ينصرف جهد وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني نحو ساحات أخرى لا تشهد عمليات مسلحة بالمستوى الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط اليوم، إذ تكفي الإشارة إلى أن من يمسك بالملف الأمني في العواصم الأربع بغداد، دمشق، صنعاء، وبيروت هم ضباط سابقون في فيلق القدس الإيراني، لندرك طبيعة التقسيم الاستخباراتي الذي تعتمده إيران حاليا، بحيث أصبحت وزارة الاستخبارات اليوم تأتي في المرتبة الثانية بعد جهاز استخبارات قوة القدس من حيث الأهمية والتأثير.

الأكثر قراءة