منوعات

الجوال في السعودية .. صراع الدقيقة والهللة من «الكاتيل» إلى «الآيفون»

الجوال في السعودية .. صراع الدقيقة والهللة من «الكاتيل» إلى «الآيفون»

بلغت أسعار الجوالات في السعودية 3500 ريال.

الجوال في السعودية .. صراع الدقيقة والهللة من «الكاتيل» إلى «الآيفون»

رسالة جزء من نصها مفقود.

الجوال في السعودية .. صراع الدقيقة والهللة من «الكاتيل» إلى «الآيفون»

الجوال في السعودية .. صراع الدقيقة والهللة من «الكاتيل» إلى «الآيفون»

قصة الجوال في السعودية لها وجوه عديدة. بدأ قبل 25 عاما بشريحة بلغت رسوم تأسيسها عشرة آلاف ريال والدقيقة بريال و60 هللة، ورسائل جزء من نصها مفقود. ووصل في الحاضر إلى عصر باتت لا تتجاوز قيمة الشريحة 50 ريالا للمفوتر "25 ريالا لمسبقة الدفع"، وبالإمكان إرسال فيديو صوت وصورة بالمجان. وينتظره مستقبلا لا يعلمه إلا الله، ثم الإنسان الذي قد يبتكر الخطوة المقبلة للبشرية مع هذا الجهاز.
وجميع ما مضى وجه واحد، لكن الوجوه الأخرى تتحدث عن الأجهزة، وصراع الدقائق والهلالات صعودا وهبوطا، وأجيال عايشت ظهوره، وأخرى ولدت في حقبته ولا تتخيل عالما من دونه، وتستنكر ما قبله.
علاقة الجوال والسعوديين تمتد من 1995 حتى 2020. كان مجرد وسيلة اتصال وتحول إلى كل وسائل الحياة وبات أسلوب حياة تغيرت معه العادات والثقافات.
فمن "الرهيب" إلى "الآيفون"، "الاقتصادية" تسدل الستار على مراحل تطور الاتصالات في السعودية بقصة الهاتف المحمول الأسرع تحولا في عقدين من الزمن، حتى ما وصل إليه من خدمات حاليا، خصوصا بعد تجربة كورونا التي لم تبق لكثيرين حول العالم سوى أسرهم، وهواتفهم.

حجز 95 ألف رقم في ساعتين

بمجرد أن بدأت وزارة البرق والبريد والهاتف عام 1995، استقبال طلبات الراغبين في الحصول على شريحة الهاتف المحمول حجزت 95 ألف شريحة بمبلغ عشرة آلاف ريال في أول ساعتين فقط.
ومن تلك الساعتين حتى الآن لم تتوقف الطلبات التي دفعت الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى إضافة خطوط جديدة، إذ يوضح لـ"الاقتصادية" بسام البسام وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات للبنية التحتية، أن التطور المذهل في توفير ونشر شبكات الجوال في المملكة، جرى بعد ضخ دعم مالي حكومي ضخم تجاوز أربعة مليارات ريال لتحفيز الاستثمار في بناء وتطوير البنية التحتية الرقمية للجوال في المملكة في الأعوام الأربعة الماضية.
وبالعودة لعام 1995 لسرد الحكاية من بداية حجز 95 ألف رقم، لا بد من الاستعانة بمن عاصروا المرحلة. المهندس سمير متبولي خلال عمله في وزارة البرق والبريد والهاتف وقبل إنشاء شركة الاتصالات السعودية كشركة حكومية مساهمة، الذي يقول إن الحجز كان يتم قبل تفعيل الخطوط بعام، حيث يتم السداد عن طريق البنك وإعطاء العميل ورقة سداد تسلم للاتصالات لحجز رقم، ومع ارتفاع الطلب طرحت 100 ألف خط أخرى، ثم 500 ألف خط.
ومع انخفاض أسعار رسوم التأسيس من عشرة آلاف ريال إلى 3500 ريال ثم 1500 ريال وصولا إلى 50 ريالا في وقتنا هذا طرحت السعودية بحسب متبولي عشرة ملايين خط لكل رقم بدايته 05، وكان عدد أرقام الجوال تسعة أرقام، وبعد فترة بسيطة ارتفع الطلب مرة أخرى، لترتفع معه الأرقام إلى عشرة أرقام، بإضافة صفر بين أول رقمين.
وتولت وزارة البرق والبريد والهاتف تشغيل الجوال في المملكة حتى صدور قرار مجلس الوزراء في 1997، القاضي بفصل الهاتف عن الوزارة وتأسيس شركة الاتصالات السعودية التي بدأت أعمالها في الثاني من آيار (مايو) 1998، وقبل أن تدخل شركات جديدة للسوق السعودية مع مطلع الألفية الجديدة.
وبمرور أعوام قليلة، ومع دخول شركات جديدة في السوق حتى بلغت تسع شركات حاليا، بدأت أسعار الشرائح، والحصول عليها ممكنا حتى في ساعات الفجر الأولى عن طريق تطبيقات الشركات.
ومع توسع انتشار الهواتف المحمولة وتقديمها لخدمات جديدة تطورت تقنيات الشرائح، حيث يفيد الاختصاصي التقني طارق الجاسر أنه مع اعتماد الشرائح المدمجة eSim من قبل الشركات ستظهر لنا باقات جديدة وسيعتمد الفرد على البيانات أكثر من الاتصال حيث إن البيانات توفر اتصالا وإنترنت وخدمات كثيرة.


من "الكاتيل" و "العنيد"

أولى بوادر أجهزة الهاتف المحمولة تجسدت في هاتف عرف باسم "الكاتيل" الذي كان يوصف من باب التندر بالقنبلة الذرية أو السلاح القاتل، وفي أحيان أخرى "طابوقة"، لثقل حجمه.
وتزامن معه هاتف "نوكيا أبو أريل" الذي استمر في المراحل اللاحقة بينما تقاعد الكاتيل، ليصبح رفيق السعوديين لأكثر من عقد من الزمان لدرجة الألفة التي دفعتهم إلى إطلاق أسماء مستعارة عليه من صفاتهم ومعالمهم.
وحملت إصدارات نوكيا المتلاحقة أسماء "الرهيب، العجيب، العنيد، المملكة، الفيصلية، الساهر، والفارس"، وبأسعار كانت لا تزيد على 2500 ريال، وبعد أقل من عام استخدامه ينحدر السعر لأقل من 200 ريال.
كما اشتهر عدد من الجوالات المصاحبة للحظة تشغيل الهاتف المتنقلة "الجوال" في المملكة، تمثلت في سيمنس، أريكسون، نوكيا، موتورلا، وغيرها، بأسعار لا تقل حينها عن 3500 ريال.
بيدا أن تلك الهواتف ظل استخدامها مقصورا على استقبال الاتصالات وإرسال الرسائل التي كانت لا تصل كاملة لمحدودية عدد الكلمات، وظلت حاضرة في أذهان من عايشوها حتى اليوم بـ"جزء من النص مفقود.."، قبل الوصول إلى عهد الرسائل المطولة والمصورة والمسجلة عبر "الواتساب".
ويقول سلطان آل بادي أحد المستثمرين في سوق الهواتف المحمولة منذ بداياته، إن الأجهزة المواكبة للحظة تشغيل الجوال في السعودية كانت في معظم الأحيان لا تظهر الرسائل النصية بشكل كامل، ومع الوقت بحسب ما يوضح آل بادي "استطاعت الأجهزة تفادي هذا الأمر من خلال تكبير مساحة الرسائل والشاشة بهدف إظهار المعلومات الواردة بشكل كامل دون أي إشكالات تقنية.
وبالعودة للاختصاصي التقني طارق الجاسر الذي بين في حديثه لـ"الاقتصادية" أن نوعية الهواتف في ذلك الوقت كانت تعمل على أجيال الاتصال القديمة التي لم تكن تستطيع تشغيل البيانات، وإنما الرسائل النصية والاتصال فقط، بدأ من هواتف الكاتيل وأريكسون ونوكيا وصولا إلى الهواتف الذكية الآن التي تعمل على الجيل الرابع والخامس وبمواصفات عالية جدا.

"الباندا" و "البلاك بيري" مفترق طرق

وبعد "الرهيب" و "العنيد" وصل في عام 2003، هاتف نوكيا 6600 الشهير باسم "الباندا" بسبب لونه الأبيض والأسود الشبيه بالدب الباندا،ولكن شهرته لم تأتي من الاسم بل من الكاميرا المصاحبة التي أحدثت ضجة في الرأي العام السعودي لا تقل عن ضجة دخول عصر القنوات الفضائية في مطلع التسعينيات الميلادية.
وكان وصوله نذيرا عن تحول جديد في أجهزة الهواتف المحمولة فمن بعده لم يخل هاتف من كاميرا تصوير، وأنظمة تشغيل جديدة على العقل البشري.
إذ شهدت الأجهزة الجديدة بعد "الباندا" مزايا تقنية جديدة مثل ميزة دعم خاصية رسائل الوسائط التي تسمح بإرسال الصور بدقة ودرجة معينة ومقاطع الفيديو بحجم ومدة زمنية قليلة، فيما دعم بعض الأجهزة خاصية رسائل البلوتوث وحفظ مقاطع الفيديو والصور.
ويوضح لـ"الاقتصادية" فيصل السيف، وهو مختص في الشأن التقني، أن من أبرز الفروقات بين أجهزة الجوالات السابقة والحالية المتمثلة في الأجهزة الذكية هي أنظمة التشغيل، والتطبيقات الإلكترونية"، لافتا إلى أن دمج الكاميرات في الأجهزة الذكية أحدث ثورة تقنية.
وهكذا انطلقت العجلة نحو آفاق جديدة، يعد السيف أن المملكة من الدول التي واكبت التطور التقني بشكل سريع، موضحا أن الأنظمة التقنية التي تصدر عالميا تظهر مباشرة في السوق السعودية من ذلك الحين حتى الآن.
ورغم المشكلات التقنية التي واجهتها في البداية، إلا أن طارق الجاسر الخبير والمختص في الجوالات والتقنية يؤكد أن خدمة الجوالات كانت ثورة رقمية جديدة، ومع الوقت تقدمت المملكة في هذا المجال، بشكل كبير، وتسارعت الخطوات حتى أصبحت السوق فيها تنافس يصب في مصلحه العملاء والمستخدمين من باقات وإنترنت لا محدود وشرائح مجانية، وفي مصلحة المستثمر أيضا.
وقبل تدشين عصر الهواتف الذكية برز "البلاك بيري" الذي لم يمتد سوى عامين، لكنه كان تمهيدا لهواتف مزودة باتصال الإنترنت، واستقبال وإرسال البريد الإلكتروني، وإجراء المحادثات التي كانت مرتبطة ضروريا بجهاز كمبيوتر، ثم حدث انفجار آيفون.

هاتف "جوبز" بلا حدود

في تاريخ الهواتف المحمولة يجوز القول إن ما بعد ٢٠٠٧ ليس كقبله، إذ وصل للسعودية والعالم هاتف ستيف جوبز "الآيفون" الذي اختزل الحياة في جهاز واحد مزود بالإنترنت ومتصل بكل ما حول الإنسان في العالم، ومزود بتطبيقات تجعل الإنسان لا يرفع رأسه من الشاشة.
وتوالت بعد الآيفون هواتف سامسونج، هواوي، إتش بي، شاومي، وريلمي، بقدرات خارقة في التصوير والتدوين ودعم مهام العمل والحياة، وأحالت العنيد وشركة نوكيا للتقاعد بعد أن اعتاد السعوديون على منتجاتها لأكثر من عقد.
وهو ما يؤكده بدر المطيري - صاحب محل جوالات - إذ يقول إن الأجهزة القديمة تلاشت بمجرد وصول "الآيفون" و"سامسونج" وأصبحت محدودة في السوق حاليا"، عازيا ذلك إلى عدم وجود مشتر لها بسبب التطور التقني الهائل في المجتمع.
ويشير المطيري إلى أن الأجهزة الذكية والتطبيقات المختلفة الموجودة فيها مثل تطبيقات التواصل الاجتماعي والألعاب بمختلف فئاتها وشرائحها وغيرها، أسهمت في تلاشي الأجهزة القديمة بشكل كبير من أسواق الاتصالات.
ويقول التقني الجاسر فيما يشبه الخاتمة للقصة حتى الآن "الهاتف قديما كان يسمى هاتفا فقط، واليوم يسمى هاتفا ذكيا، لما يحتويه من تطبيقات واتصال بالإنترنت، ساعد على قضاء كثير من المهام الحياتية".

التطبيقات .. تسلية وأعمال وتعليم

لم تعد التطبيقات الإلكترونية مجرد وسيلة للتسلية يقضى من خلالها فائض الوقت، بل صار وجودها في الحياة ضرورة فرضها الواقع، والتطور التكنولوجي الكبير، حيث فاق عددها الـ1.8 مليون تطبيق في متجر آب ستور في الربع الأول من 2020، 21 في المائة منها ألعاب، 10 في المائة أعمال، و8.68 في المائة تعليم، بعد أن كانت 49 ألف تطبيق في 2008، منها 44 ألفا ألعاب. تطبيقات "بلاك بيري، الواتساب، التانجو، الفايبر، تويتر، والإنستجرام"، كانت من أوائل تطبيقات التواصل الاجتماعي التي ظهرت في الألفية، إذ تزامن ظهورها مع بدايات انتقال مستخدمي الجوال من الأجهزة التقليدية إلى الذكية، الأمر الذي أسهم في تسارع وتنامي الثورة التقنية وظهور أجهزة جوالات تقنية ذات مواصفات ومزايا متطورة. اقتصرت التطبيقات في البداية على الألعاب والتواصل الاجتماعي، حتى شملت مع مرور الوقت جميع مجالات الحياة، من صحة وتعليم ونقل، وغيرها من المجالات، وأصبح قيمة بعضها يصل إلى مليارات الدولارات. وقال لـ"الاقتصادية" طارق الجاسر الخبير وصانع المحتوى التقني، إن التطبيقات ليست أمرا جديدا مع الهواتف الذكية، إذ بدأت تدريجيا وبشكل بسيط ومهام محدودة حتى ظهر الآيفون في 2007 وظهرت تقنية تعدد اللمس لشاشات الهواتف الذكية وكذلك ظهرت هواتف بشاشة كاملة تستجيب لضغطات الأصابع، لم تكن موجودة مسبقا. وأشار إلى أن تاريخ الهواتف الذكية يعود لعام 1992 لهاتف IBM "آي بي إم سيمون"، موضحا أن الهواتف التي شهدت اتصال الجيل الثالث والرابع كانت أكثر قابلية للتطور، كونها تميزت بالاتصال وجعل الأجهزة أكثر ذكاء، تتفاعل مع البريد والتصفح وتحميل التطبيقات. وأوضح أن هواتف الجيل الثاني، كانت تشتمل على تطبيقات محملة مسبقا مثل لعبة الأفعى مع صعوبة تحميل تطبيقات أخرى، ليحدث الإنترنت ثورة ونقلة كبيرة في استخدام الهواتف الذكية. ولفت الجاسر إلى تغير استخدامات التطبيقات الآن وتنوعها، مع انتشار تطبيقات توصيل الطعام، وسيارات الأجرة، مؤكدا أن التوسع في التطبيقات سيكون أكبر من دخول شبكة الجيل الخامس. وكأنها حلقة متصلة كما يؤكد الجاسر، فالتطبيقات كانت تنتظر هواتف ذكية حتى تظهر وتصبح متوافرة، والهواتف الذكية كانت تنتظر اتصالا سريعا.

9 ميجا بايت في الثانية .. النفط الجديد

يبقى الحديث بعد استعراض مراحل الجوال من حيث الخدمة والجهاز، عن حاضر ومستقبل الاتصالات في السعودية، وما العمل الذي يجري لمواصلة المواكبة المتسارعة عالميا. ويوضح لـ"الاقتصادية" بسام البسام وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات للبنية التحتية، أن النتيجة التي تحققت هي توفير ونشر شبكات الجوال في المملكة بعد ضخ أربعة مليارات ريال في أربعة أعوام، تمثلت في ارتفاع سرعات الإنترنت المنتقل من تسعة إلى 71 ميجابايت / ثانية خلال أربعة أعوام فقط، ما أسهم في قفز المملكة من المرتبة 104 عالميا إلى المرتبة الخامسة. ويشير البسام إلى استحداث أكثر من تسعة آلاف برج جيل خامس في 150 مدينة خلال أقل من عام، ما جعل المملكة الدولة الرابعة عالميا في نشر الجيل الخامس، إضافة إلى رفع النطاق الترددي المتاح لشبكات الجوال من 260 إلى 1110 ميجا هرتز، ما رفع الكفاءة والسعة، فيما بلغ عدد أبراج الجيل الرابع نحو 40 ألف برج، كما أن نسبة التغطية السكانية لخدمات النطاق العريض اللاسلكي عالي السرعة بتقنية الجيل الرابع بلغت 94 في المائة. تحتل المملكة المرتبة الثانية في دول العشرين، فيما يتعلق بحد تخصيص الطيف الترددي، إضافة إلى التطور في تنظيمات تقديم الخدمة للمستخدمين حيث يمكن تفعيل الخدمات إلكترونيا، ووصول الشرائح للعملاء في منازلهم بمجرد طلبها مباشرة. من جهته، يقول أحمد آل ثنيان وكيل وزارة الاتصالات لتنمية القدرات الرقمية، إن رؤية المملكة 2030 لعبت دورا مهما في هذا التحول، ولا سيما أن أحد ممكناتها هو التحول التقني، المعتمد على الريادة والابتكار كمحرك والبيانات "النفط الجديد". ويؤكد آل ثنيان أن الوزارة في رحلة التحول تسعى إلى بناء أسس رقمية متينة لحاضر مترابط ومستقبل مبتكر، بهدف تمكين المملكة من استثمار الفرص التي يوفرها عصر الرقمنة من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية للوصول إلى اقتصاد ومجتمع وحكومة رقمية والوصول بالسعودية إلى طليعة الدول المبتكرة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات