Author

«مدرستي» تزورني في المنزل

|
لم تترك جائحة كورونا جانبا من جوانب حياتنا دون تأثير، بما في ذلك التعليم الذي يعد من أهم ركائز التنمية، إن لم يكن الأهم في صناعة مستقبل الأمم، فقد أغلقت المدارس والمعاهد والجامعات لشهور عديدة في معظم دول العالم، ثم عادت تمارس أنشطتها على استحياء مستعينة بالتقنية التي أسهمت في تخفيف آثار الجائحة، ومن نتائج ذلك أن دفعت الجائحة إلى دخول التقنية في حياتنا من أوسع الأبواب، فاضطر الإنسان في المناطق النائية والجبال الشاهقة، إلى تعلمها والاستفادة منها، فازدهر قطاع التقنية، وانتشرت الثقافة الرقمية في جميع المجتمعات، لتحدث تغييرات في أنماط حياتنا وممارساتنا العملية والاجتماعية إلى الأبد!
تشرفت بجولة مع بعض الإعلاميين وكُتاب الرأي في مقر قناة «عين» التي تشبه خلية النحل ما بين المعلمين والمعلمات والمشرفين ومهندسي التقنية والعاملين عليها، يعملون بنشاط وهمة لخدمة أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة، ما بين اختيار معلمين متميزين لتقديم دروس في جميع الموضوعات لكل المراحل التعليمية، من الصفوف الأولى إلى الثانوية، وتجهيز الفصول الافتراضية، الأمر الذي سيوفر رصيدا قيما وثروة عظيمة من الدروس، يمكن الاستفادة منها حتى بعد انتهاء جائحة كورونا في المستقبل، لتعويض الطلاب الذين يتغيبون عن دروسهم لظروف المرض أو في المدارس التي تعاني نقصا في المعلمين، بل من المؤكد أن هذه المنتجات التعليمية سيستفيد منها الطلاب في دول أخرى، لأنها متاحة للجميع على شبكة الإنترنت. وهذا قمة العطاء الإنساني لتصبح مصدر إشعاع معرفي وتعليمي من جهة، وقوة ناعمة للمملكة من جهة أخرى.
بفضل هذه الجهود، نجحت وزارة التعليم في نقل المدرسة إلى المنزل من خلال منصة «مدرستي»، وعلاوة على ذلك تؤكد الوزارة أنها تخطط لتعويض الفاقد التعليمي نتيجة هذه الجائحة، ولكن يبقى دور كبير على هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لتحسين البنية التقنية وتعزيزها من أجل تحقيق مجتمع المعرفة.
إن جهود وزارة التعليم للحد من تأثير جائحة كورونا الاستثنائية تستحق الشكر والتقدير والإعجاب، خاصة أن التحديات كبيرة والعملية التعليمية تحت هذه الظروف معقدة ومتشابكة تشترك فيها أطراف كثر، بدءا من الوزارة والمدرسة، ثم الأسرة، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ورجال الأعمال، وجميع مكونات المجتمع، بل إن دور الأسرة في هذه المرحلة الاستثنائية أصبح محوريا وأساسيا، أكثر مما كان عليه من قبل، لأن الأسرة أصبحت تتحمل جزءا كبيرا من مهام المدرسة ومهام المعلم، ما يتطلب التضحية من قبل أفراد الأسرة ومنح الأبناء مزيدا من الوقت والجهد في هذا الوقت الاستثنائي. وعلى الرغم من تمكن وزارة التعليم وبعض إدارات التعليم من جمع التبرعات لتوفير 85 ألف جهاز لبعض الطلاب غير القادرين على امتلاكها، فإن هناك حاجة ماسة إلى إطلاق مبادرة وطنية تحت شعار "جهاز لكل طالب" تكون عبارة عن شراكة بين مؤسسات خيرية وشركات وطنية كبرى وبنوك. كما ينبغي العناية الكبيرة بتعليم الصفوف الأولى من خلال اختيار نخبة من أفضل المعلمين مع استخدام برامج وتطبيقات نوعية وإبداعية تدمج بين التعليم والتشويق واللعب، مع النظر في منح أولياء الأمور خيار حضور أبنائهم في بعض المدارس لبعض الساعات. وأخيرا مما يطمئن أن الوزارة تقوم بإجراء تقويم للإجراءات كافة لتخفيف أضرار هذا التحول إلى التعليم عن بعد. وأختتم بالقول: لمواجهة التحديات، لا بد أن تكون الأسر وأولياء الأمور، ومنشآت القطاع الخاص، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ومؤسسات المجتمع المدني، شركاء في النجاح في رحلة التعليم عن بعد التي تعيشها بلادنا بوعي وعزيمة وتخطيط.
إنشرها