محاربة التستر ودعم مشاريع رواد الأعمال

التستر هو إحدى الجرائم التي لها أثر سلبي في الاقتصاد من جوانب متعددة، وقد استشرى في المجتمع بشكل كبير، ما شكل تحديا لمشاريع اقتصادية تنمية للمجتمع، مثل بناء شركات صغيرة ومتوسطة يعول عليها المجتمع في بناء منظومة اقتصادية بكفاءة عالية، إضافة إلى تحديات تتعلق بالتوطين والالتزام بالنظام الضريبي، كما أن التستر له دور كبير في تسرب الأموال وتحويلها إلى الخارج، حيث أصبحت المملكة واحدة من أعلى الدول في حجم التحويلات المصرفية للخارج من قبل غير المواطنين. ولا شك - بطبيعة الحال - أن العامل في المملكة يتطلع إلى حياة كريمة عندما يعود إلى بلده، ومن المتوقع حصول تحويلات، لكن ما يحصل هو، تحويلات ضخمة جدا أعلى بكثير من الرواتب المعتادة، وهنا تكمن المشكلة ويبرز الخطر. كما أن التستر يمنع وجود مشاريع مستدامة تنمو وتستمر وتكون لديها آلية لمواجهة المخاطر والاستفادة من البرامج الحكومية، والتعامل مع الأنظمة بصورة اعتيادية، وهذا ما يفسر ضعف تطور كثير من الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة، وذلك لعدم وجود الحافز لدى أصحاب المشاريع من غير المواطنين، الذين يرون في نشاطهم التجاري أنه مؤقت، لذلك يعملون على الحصول على أرباح سريعة، وهذا ما يفسر أن بعضهم يلجأ إلى ممارسات غير مشروعة تخالف الأنظمة عموما، لأن إغلاقها وتغريمها لا يشكل تهديدا للمستفيد منها، باعتبار أن من يتحمل عبء ذلك هو، المتستر وليس المتستر عليه.
كثير من المواطنين من رواد الأعمال يواجهون خطر كبيرا من التستر التجاري، الذي لم يصبح فقط خطرا، بل يصل في بعض الحالات إلى حرب لطرد أي مشروع لمواطن في النشاط نفسه، ما يؤدي إلى مزيد من الهدر والضرر على مشاريع رواد الأعمال. وهذا خطره في نهاية الأمر على الاقتصاد الوطني، ولا يتسق مع التوجهات الحكومية بما يتسق مع التحولات الاقتصادية، التي تشهدها المملكة من خلال رؤية المملكة 2030. لذلك، جاء النظام الذي أقره مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين، ليزيد الخناق على هذه الأنشطة غير المشروعة، بحسب الأنظمة المرعية في المملكة، وذلك من خلال تشديد الغرامات، والمتابعة من خلال التقنية، إضافة إلى تعزيز دور المواطن في التبليغ عن الحالات غير المشروعة، وتشجيع من انخرط في مثل هذه الجريمة أن يتوقف حالا عن ذلك ليمارس التجارة بنفسه وفق الأنظمة المرعية في المملكة وبمسؤولية، أو إنهاء النشاط تماما لتتوافر الفرصة لغيره من المواطنين.
محاربة التستر جزء من محاربة الفساد الذي حققت فيه المملكة إنجازات كبيرة باتجاه الإصلاح الاقتصادي الشامل، والتساهل فيه يعني بالضرورة مزيدا من التحديات التي تواجه المجتمع لبناء اقتصاد نشط وأنشطة تجارية مستدامة، وفرص مستمرة للعمل والكسب للقوى العاملة الوطنية. لذلك، من المهم أن يكون هذا النظام عبارة عن استمرار في التضييق على فرص وجود التستر في الأنشطة التجارية. ومن المهم أن تكون هناك برامج متعددة داعمة لهذا التوجه، ومن ذلك زيادة الوعي في المجتمع بخطر التستر التجاري، وكيف يمكن أن يقلص فرص العمل والكسب لأبنائه، وكيف يمكن أن يمهد لمزيد من الخلافات في المحاكم، والأضرار على من ينخرط في مثل هذه الأنشطة، فإعلان وزارة التجارة الذي قدمته بعنوان ستارة، وانتشر بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي ووافق فيه ثلاثة من عشرة مواطنين على الحصول على مبلغ مالي ثابت دون جهد مقابل استفادة طرف لا يحق له ممارسة النشاط التجاري مباشرة في المملكة، يوحي بوجود خطورة بسبب عدم وعي البعض بأثر ما يقدمون عليه من خطوات تؤثر فيهم ومجتمعهم مستقبلا. لذلك، من المهم استمرار حملات التوعية، ومن الممكن أن تكون من خلال أمثلة لوقائع تورط فيها بعض الأفراد بعلاقات تجارية مبنية على مخالفات لأنظمة مكافحة التستر التجاري، وما ترتب على ذلك من آثار نظامية وعقوبات على المتستر نفسه.
الخلاصة، إن التستر التجاري يمثل خطرا على الأنشطة الاقتصادية التجارية في المملكة، كما أن فيه ضررا كبيرا على رواد الأعمال الذين يتطلعون إلى بناء مشاريع تجارية ناجحة وتنمو بشكل مستمر، ويؤدي إلى تسرب كثير من الأموال للخارج، إضافة إلى الأضرار على المتستر نفسه بسبب التزامات لا يعلم عنها تتم من خلال الأنشطة التجارية، التي يتستر على أعمال أصحابها. ومن هنا، تأتي أهمية استمرار برامج التوعية، وإضافة تجارب لها من واقع هذه الممارسات غير النظامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي