Author

أمثال اقتصادية «2»

|
استطرادا لحديثنا في المقال السابق عن الأمثال والدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به في حياة الناس، وكيف أنها تكون متنفسا لأمر تود أن تطرحه أو تشير إليه دون الحاجة إلى الإسهاب في الكلام أو إلى جرح شعور المتحدث، فمن خلال إيراد المثل يمكن تعديل سلوك الأفراد من خلال التأثير النفسي الذي تحدثه لهم. والأمثال تحمل في طياتها مادة تعليمية وقيمة تهذيبية كبيرة، فهي تنمي الفضائل والقيم وتستقبح الرذائل. يقول ابن عبد ربه الأندلسي، إن "المثل أبقى من الشعر، وأشرق من الخطابة". من أمثالنا الاقتصادية قولهم، "الدراهم مراهم" أي أن المال يستطيع علاج كثير من العلل شأنه شأن المراهم الدوائية في علاج الأمراض، وقولهم، "المال لو هو عند عنز شيورت وقيل يا أم قرين وين المنزل؟"، وهذا من أشد الأمثال صراحة في تقدير كثير من الناس لمن يملك المال لدرجة أن العنز "الماعز" لو امتلكت المال لطلبت مشورتها بأدب أين تقترح أن ينزل الشخص؟ أي تحدد له مكان نزوله، بل إنه تكريم لها إذ خوطبت باللقب ــ يا أم قرين ــ وليس بالاسم المجرد، ويقولون في الأمثال، "شبر من ذنب كبش، ولا باع من ذنب ثور"، وفي هذا تتضح أبرز وأصدق درجات البلاغة، حيث إن دكانا صغيرا في منطقة مكتظة بالحركة والسكان خير من عشرات الأمتار في مكان لا حركة فيه ولا بركة، كما أن بضاعة قليلة مربحة خير من أخرى كثيرة لا طائل من ورائها. ومن أصدق الأمثال قولهم، "أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ويهدف هذا المثل إلى الحض على الإنفاق والبذل والصدقة فكما تنفق ينفق عليك، وفيه إشارة واضحة إلى التحذير من البخل الذي له آثار سلبية في الفرد والمجتمع. والمثل الشعبي "فلان أفقر من صواية الليل"، وهي حشرة صغيرة تحدث صوتا يستمر طوال الليل، لكنها تفتقر إلى أبسط مقومات المعيشة، فلا تجلب لنفسها ولا للآخرين خيرا، وقريب من ذلك المثل الذي يقول، "نسمع جعجعة ولا نرى طحنا"، أي نسمع صوت الرحى دون أن نرى طحينا، ويضرب لمن يكثر من الكلام وربما بصوت عال، لكن دون رؤية نتيجة فعلية على أرض الواقع.
إنشرها