Author

النخيل والتمور .. ما بين المعروف والمجهول

|
لا أحد يجهل النخلة، فهي معروفة ليس في الشرق الأوسط فقط، بل على المستوى العالمي، وورد ذكرها في القرآن في أكثر من 20 موضعا، (وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ)، وهي جزء رئيس في شعار المملكة، إلى جانب ذلك فإن النخلة شجرة كريمة بعطائها الوافر، ففي شموخها ظل للمسافر، وملجأ للطيور، وفي رطبها غذاء وصحة للإنسان والحيوان، وفي جذوعها وسعفها مواد بناء لا تزال تستخدم في بعض المناطق وفي بعض أنماط التراث العمراني. وحسب إحصاءات المركز الوطني للنخيل والتمور، فإن عدد النخيل في المملكة يصل إلى نحو 23 مليون نخلة، يتركز معظمها في الرياض والقصيم والشرقية وحائل ومكة المكرمة. في هذا العام على وجه الخصوص، يشتكي كثير من المزارعين من انخفاض أسعار التمور لدرجة غير مسبوقة، وذلك نتيجة عدد من العوامل، في مقدمتها جائحة كورونا، التي لا يقتصر تأثيرها على المملكة. وعلى الرغم من ذلك هناك عديد من التحديات التي تواجه إنتاج التمور، ومنها تقنيات قطف التمور وتصنيعها وتسويقها، فنظرا لضعف قدرة المزارع على التسويق المناسب، أصبحت الأرباح الكبيرة من نصيب العمالة الوافدة التي سيطرت على تسويق التمور والاستفادة منها.
وعلى الرغم من أن النخلة معروفة وتحتل الصدارة في الزراعة التقليدية، فإن هناك كثيرا من الأمور المجهولة حول هذه الشجرة المباركة. فمع وجود عدد من مراكز بحوث وكراسي البحث في بعض الجامعات، علاوة على إنشاء المركز الوطني للنخيل والتمور الذي أسس في 1432هـ، فإن الدراسات الجادة التي تؤدي إلى حلول نوعية ومنتجات صناعية قليلة، والخدمات التي تقدمها للمزارع محدودة، ولا تتناسب مع عمرها المديد والدعم المقدم لها من قبل القطاعين العام والخاص. فبعد البحث السريع في المواقع الإلكترونية لهذه المراكز على شبكة الإنترنت لم أجد براءات اختراعات مسجلة يعتد بها، ولا منتجات لها قيمة اقتصادية كبيرة. فالتحديات التي تواجه زراعة النخيل في المملكة كثيرة ومتنوعة، لم تتمكن الجهات المذكورة وغيرها من المساعدة على إيجاد حلول نوعية وناجعة لها. ومن أبرز هذه التحديات "سوسة النخيل" التي تفتك بآلاف النخيل دون علاج ناجع، فما يتوافر في السوق هو عبارة عن محاولات تنجح هنا وتفشل هناك. ومن الواضح أن زراعة النخيل من حيث الأعداد والأصناف تخضع للتقديرات الشخصية للمزارعين دون معلومات دقيقة تستند إلى دراسات علمية جادة من جهات بحثية أو رسمية. ومن المؤسف أن معظم المصانع الموجودة وعددها يصل إلى 157 مصنعا، هي في الواقع محال لتعبئة التمور وتعليبها، وليس لتصنيعها وتحويلها إلى منتجات جديدة.
وبناء عليه، هناك حاجة ماسة إلى دراسة النخيل، ومن ثم تحديد أنواع النخيل الأفضل حسب المناطق الجغرافية والقيمة الغذائية والمردود الاقتصادي، إلى جانب القدرة على مقاومة الجفاف، ومن ثم تحسين أنواع النخيل الأنسب وتنميتها في المملكة. من جانب آخر، هناك محاولات مثيرة للإعجاب من قبل بعض الأشخاص لتصنيع منتجات النخيل، ولكنها لا تزال في مهدها وتتطلب الدعم بأنواعه كافة. بوجه عام، ينبغي ألا تترك الأمور للمحاولات الفردية، بل لا بد أن تسهم المراكز المتخصصة في رفع جودة وكفاءة المنتجات وتسويقها بالأساليب الأكثر فاعلية. ومن المثير للاستغراب أن الدراسات في دولة النخيل لا تزال أولية فيما يتعلق بالمكونات الغذائية للتمور حسب أصنافها المعروفة وطرق حفظها وتصنيعها، أو تحديد الأنواع المناسبة لكل منطقة إدارية حسب خصائصها الجغرافية والمناخية، فلم تسهم الجامعات أو المراكز البحثية بالكثير في هذا المجال. لذلك هناك حاجة ماسة إلى دعم بحوث النخيل والتمور وزيادة فاعلية المراكز البحثية الموجودة للتوصل إلى حلول نوعية للتحديات التي تواجه زراعة النخيل، ومن ثم تسجيل براءات اختراع ذات قيمة صناعية في مجالات التصنيع الغذائي والاستفادة من النخلة بكاملها ومخلفاتها من السعف والجذوع ونحوها.
وأخيرا، هناك حاجة إلى تحديد أعداد وأصناف النخيل لزيادة فاعلية زراعة النخيل وعدم التوسع غير المدروس، وحاجة إلى دعم المزارع كون التمور تمثل ركيزة من ركائز الأمن الغذائي في المملكة، إلى جانب ذلك ضرورة تفعيل "المركز الوطني للنخيل والتمور" ليحقق أهدافه، ومنها تحقيق الكفاءة الإنتاجية، وتسويق التمور محليا وعالميا، وتشجيع الصناعات التحويلية، ورفع مستوى جودة وسلامة منتجات التمور، وفوق ذلك ينبغي أن يكون منصة تنسيقية فاعلة بين المزارعين ومراكز البحوث والقطاع الصناعي.
إنشرها