Author

معركة «تيك توك» في حرب باردة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الصين ألحقت ضررا كبيرا بالولايات المتحدة، وبقية العالم"
دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة
ما كانت الحرب الباردة الجارية حاليا بين الولايات المتحدة والصين تنقص عنصرا ملتهبا جديدا لتصعيدها. ففيها من العناصر والأسباب والاتهامات المتبادلة التصعيدية ما يكفي لجعل أمدها طويلا، بل تحويلها إلى حرب أكثر سخونة. الشهر الماضي فقط حذر مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، من أن "مزاعم الحكومة الصينية بشأن بحر الصين الجنوبي قد تؤدي إلى مواجهات عسكرية مع الولايات المتحدة". عد البعض أن بومبيو بالغ في التحذير في إشارته إلى الحرب أو المواجهة العسكرية، لكن لا توجد مؤشرات عملية ذات قيمة يمكن أن تدل على إمكانية التهدئة بين أكبر اقتصادين في العالم، سواء على الجانب التجاري المتداعي، أو في ميادين أخرى، مثل الاتهامات بشأن انتشار وباء كورونا المستجد، ومسألة هونج كونج المتفاعلة، ومسلمي الإيجور في الصين، وقضية شركة هواوي الصينية، ووضع تايوان وغيرها. إلى جانب طبعا قرارات متبادلة أدت إلى إغلاق قنصليات بين الطرفين.
في ظل هذا المشهد، وفي زحمة ساحات الخلاف بين واشنطن وبكين، أضافت الإدارة الأمريكية مشكلة جديدة، وهي تلك المرتبطة بمصير تطبيق تيك توك الصيني للتواصل والنشر الاجتماعي. فدونالد ترمب، الرئيس الأمريكي وقع أمرين تنفيذيين بحظر أي معاملات أمريكية مع هذا التطبيق، إضافة إلى التطبيق الصيني الآخر وي تشات وهو أيضا برنامج للتواصل الاجتماعي، بدأ ينتشر بقوة حول العالم. الحجة الأمريكية لهذه الخطوة، أن "تيك توك" يمكن استخدامه في حملات التضليل التي تصب في مصلحة الحزب الشيوعي الصيني، و"وي تشات" يجمع تلقائيا معلومات هائلة من مستخدميه، الأمر الذي يوفر للحكومة الصينية الوصول إلى المعلومات الشخصية للأمريكيين. وهذا يشبه إلى حد ما محاربة الولايات المتحدة المستمرة لشركة هواوي الصينية المختصة في مجال الإنترنت التي فقدت فرصا لها في عدة دول بفعل الحرب الأمريكية عليها.
مشكلة "تيك توك" الجديدة بين الأمريكيين والصينيين، غطت في الواقع على بعض المؤشرات الإيجابية التي ظهرت أخيرا، وفي مقدمتها اتفاق الطرفين على عقد محادثات رفيعة المستوى في منتصف الشهر الجاري، لتقييم التزام الصين بالاتفاق التجاري المبدئي الذي أبرمته مع واشنطن مطلع العام الجاري. وكان هذا الاتفاق قد شكل بالفعل نقلة نوعية على صعيد الحرب التجارية بين البلدين، ولا سيما بتوقف الولايات المتحدة عن فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية، على أن تلتزم الصين بزيادة الواردات الأمريكية بقيمة 200 مليار دولار على مدار عامين. فضلا عن تعهد بكين بالعمل الجاد في مجال الحماية الفكرية والابتكارية، ولا سيما تلك التي تخص الجانب الأمريكي. شكل الاتفاق الجزئي بارقة أمل بالفعل ليس للطرفين المعنيين فحسب، بل لبقية دول العالم التي تخشى انعكاسات المواجهة التجارية بين واشنطن وبكين.
لا شيء يمكن توقعه من الاجتماعات الرفيعة المزمعة هذه. فالثقة بين الطرفين غائبة منذ فترة طويلة وتعمق غيابها في ظل المستجدات الراهنة بينهما التي دفعت مسؤولين صينيين إلى اتهام ترمب بأنه يصعد المواجهة التجارية والسياسية مع بلادهم، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية. بما في ذلك، اتهامه بأنه يوجه اتهامات لا تنتهي للصين بشأن تفشي وباء كورونا المستجد للتغطية على فشل إدارته في مواجهة الوباء على الساحة الأمريكية نفسها. لكن مع ذلك، يأمل العالم أجمع إبقاء الحال التجاري على ما هو عليه، رغم أنه ليس مثاليا بين الطرفين لأن الاتفاق التجاري الجزئي أسهم بالفعل في تهدئة الأجواء التجارية العالمية، إلا أن جانبه الإيجابي لم يظهر بما يكفي، بسبب تفشي الوباء الذي صنع تحولات اقتصادية عالمية لم يتوقعها أحد.
لا شك أن التصعيد الأمريكي على ساحة "تيك توك" سيؤثر حتما في المحادثات المزمعة، خصوصا أن الإدارة الأمريكية لم تبد أي ليونة في هذا الشأن، بعد أن ربطت موقفها من هذا التطبيق ومعه "وي تشات" بالأمن القومي الأمريكي. هذا جانب حساس جدا في كل الأزمنة. وعلى هذا الأساس يصعب توقع أي تقدم في المحادثات، لتنتقل إلى المرحلة الثانية المحورية الأخرى، التي ينظر العالم إليها باهتمام شديد. فإنجاز هذه المرحلة سيسهل بلا شك حل المشكلات التجارية الأمريكية مع عدد آخر من الدول، وفي مقدمتها الدول الأوروبية التي هدأت أزماتها التجارية مع واشنطن، لانشغال العالم كله بمواجهة جائحة كورونا القاتلة. محادثات منتصف الشهر الجاري بين بكين وواشنطن، ربما ستقلل وتيرة الاتهامات العلنية بين العاصمتين، لكنها بالتأكيد لن توفر أي حلول عملية لأي شيء، خصوصا مع تفاعل مشكلة "تيك توك" و"وي تشات".
الخلافات السياسية لا تقل عن تلك المرتبطة بالاقتصاد والشركات. وهذه وحدها معضلة كبيرة حاضرة منذ زمن بعيد. في كل الأحوال الأمور ليست مبشرة بين أكبر اقتصادين في العالم في ظل مشهد اقتصادي عالمي مرعب، زادت جائحة كورونا عليه مزيدا من الشكوك والخوف والغموض.
إنشرها