Author

صعود نجم عمدة طوكيو على حساب شعبية آبي

|

الملاحظ أن شعبية شينزو آبي رئيس الحكومة اليابانية آخذة في التراجع، وتضررت كثيرا في الآونة الأخيرة على خلفية تداعيات أزمة جائحة كورونا المستجد (على الرغم من أن اليابان ذات الملايين الـ 126 نسمة لم تسجل سوى 20 ألف حالة، مقارنة بسنغافورة، التي يسكنها 5.8 مليون نسمة وسجلت 45 ألف إصابة)، وعلى خلفية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي 7.3 في المائة بسبب زيادة ضريبة المبيعات، التي أقرتها حكومته قبل ظهور الوباء، دعك من الفضائح السياسية، التي كان آخرها فضيحة شراء الأصوات المتهم فيها كاتسويكي كاواي، وزير العدل السابق وزوجته، وهي فضيحة اعتذر عنها آبي، علنا لكنها ذكرت اليابانيين بفضائح سياسية أخرى حدثت في ظل ولاية آبي المستمرة دون انقطاع منذ 2012، ودعك أيضا من سياسة المحاباة، التي تنتهجها إدارة آبي حيال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الرغم من أن الأخير كثيرا ما ضغط على طوكيو من أجل زيادة مدفوعات استضافة القوات الأمريكية على الأرض اليابانية. هذا ناهيك عن الأضرار المعنوية والاقتصادية الناجمة عن قرار الحكومة تأجيل الألعاب الأولمبية الصيفية، التي أنفقت عليها البلاد عشرات المليارات من الدولارات، إلى تموز (يوليو) 2021، وكارثة شركة نيسان موتور، وصفقة التجارة الحرة مع دول الاتحاد الأوروبي، التي لم تعزز الجهود المبذولة للقضاء على الانكماش.
في هذا الوقت، نجد أن نجم يوريكو كويكي حاكمة طوكيو (67 عاما) وشعبيتها في صعود مطرد، خصوصا أن الأخيرة التزمت سياسة الحذر والمتابعة القائمة على البيانات وعملية المتابعة والتواصل لجهة التعامل مع أزمة كورونا على النقيض من نهج آبي، الذي أعطى الأولوية للاقتصاد والأسواق على حساب الصحة العامة. ولعل أفضل دليل على صحة ما نقول، أن كويكي أعيد انتخابها حاكمة لمدينة طوكيو في مطلع تموز (يوليو) الماضي لفترة جديدة بنسبة قبول شعبي تجاوزت 70 في المائة، بينما أفادت استطلاعات الرأي بهبوط شعبية آبي إلى منطقة "البطة العرجاء" أي إلى ما دون نسبة 40 في المائة.
يذكر أن كويكي كانت عضوا في حزب اليابان الجديد، ثم انتقلت منه في 2002 إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي تحت قيادة آبي، وهذا الحزب، للمعلومية، هو أحد أكبر أحزاب البلاد، بل الحزب الذي قاد اليابان في معظم الأعوام التالية للحرب العالمية الثانية. وبسبب عضويتها في هذا الحزب الرائد وقع اختيار آبي عليها لتولي حقيبة البيئة في وزارته الأولى 2003، ثم ولاها آبي حقيبة الدفاع بين عامي 2006 و2007، فصارت أول امرأة يابانية تقود وزارة الدفاع اليابانية قبل أن تقدم استقالتها من أجل أن تخوض معركة التنافس على منصب حاكمة طوكيو، وتنجح فيها في 2016 لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب الرفيع. ومذاك عدت كويكي متمردة على حزبها الأم، خصوصا بعدما شكلت حزبا جديدا تحت اسم "الأمل"، الذي مني بهزيمة ساحقة، فقررت مؤسسته على أثر ذلك حله.
إن السؤال، الذي تردد الآن في الأوساط اليابانية هو عما إذا كانت كويكي الملقبة بالفراشة الحديدية "كناية عن خفتها لجهة التنقل من حزب إلى آخر"، ومترجمة اللغة العربية ومذيعة التلفزيون السابقة، وخريجة علم الاجتماع من كلية الآداب في جامعة القاهرة، والمتمكنة من اللغة العربية باللهجة المصرية بحكم دراستها للغة العربية في جامعة القاهرة الأمريكية، ستنتهز الظروف الحالية لتعود إلى صفوف الحزب الحاكم لتنطلق منها، وتصبح أول امرأة تقود اليابان في تاريخها، علما بأن لها أنصارا ومؤيدين داخل أروقة الحزب.
أما السؤال الثاني الموازي فيتعلق بما قد يتخذه آبي من قرارات لتحقيق آماله في الفوز بولاية رابعة، حينما تجرى الانتخابات العامة المقبلة في سبتمبر 2021، وعما إذا كان في نيته الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة قبل ذلك التاريخ، وعما إذا كان سينجح في احتواء عديد من رموز حزبه من أولئك الطامحين لخلافته، وعلى رأسهم فوميو كيشيدا، وزير الخارجية السابق وشيجيرو إيشيبا، الأمين العام السابق للحزب الليبرالي الديمقراطي .
ولعل ما يعزز طموحات كويكي لجهة الفوز بقيادة اليابان على رأس الحزب الحاكم - إذا ما قررت دخول حلبة المنافسة - هو الأوضاع الهشة والانقسامات المعروفة داخل أحزاب المعارضة، التي كانت دائما السبب الرئيس في عدم فوزها في الانتخابات العامة بنسبة كبيرة تضمن لها البقاء في السلطة براحة. فتاريخ اليابان السياسي يقول، إن تلك الأحزاب لئن نجحت ثلاث مرات (في الأعوام 1966 و1994 و2009) في الإطاحة بالحزب الليبرالي الديمقراطي، إلا أنها فشلت في إدارة البلاد لفترة طويلة واستسلمت للمحاسبة البرلمانية، واضطرت إلى الدعوة إلى انتخابات جديدة خسرتها، الأمر الذي أكد أنه لا يصلح لقيادة اليابان سوى الحزب الليبرالي الديمقراطي، على الرغم من كل العواصف والفضائح التي مرت عليه وضعضعت ثقة الناخبين به.

إنشرها