Author

الأسواق المالية ومنغصات التوتر

|

 
واجهت الأسواق العالمية ولا تزال ضغوطا كبيرة، بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية التي فجرها تفشي وباء كورونا المستجد. صحيح أنها تعافت في بعض المرات خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن الصحيح أيضا أن هذا التعافي بقي هشا وقابلا للزوال مع أول تطور سلبي يظهر هنا وهناك، بصرف النظر عن ماهيته. ومن أكثر المنغصات التي تأثرت بها الأسواق العالمية، تلك الحرب التجارية التي يبدو أن لا نهاية لها في وقت قريب بين الولايات المتحدة والصين. فعلى الرغم من التهدئة التي حدثت على صعيدها، ورغم وجود اتفاق أولي تم التوقيع عليه بين الطرفين، إلا أنها لا تزال قائمة ومستمرة، بل متفاعلة، خصوصا في أعقاب الاتهامات الأمريكية لبكين، بأن الأخيرة أخفت عن العالم تفشي كورونا لفترة من الزمن. ولذا تتصاعد الآمال المخيبة لتهدئة التوترات بين واشنطن وبكين ولن تكون هنالك تسويات قريبة تصل إلى حل مُرضٍ بين القطبين المتنافسين على قمة العالم السياسية والاقتصادية خاصة، ولكن يبدو أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين يتجاوز الاقتصاد إلى الدفاع والثقافة والتكنولوجيا والمتضرر الأكبر أسواق العالم المالية بهذه التوترات المستمرة يوما بعد يوم، خاصة مع دخول الانتخابات الأمريكية دائرة التنافس القوي وقرب موعدها ولربما تكون عاملا مهما لزيادة وتيرة التصعيد العنيف بين البلدين، كما يقول محللون. وبصرف النظر عن هذه العوامل والاتهامات، فالحرب التجارية بين واشنطن وبكين، لم تصل إلى مرحلة معركة حتى بعد الاتفاق الأولي بينهما الذي تم مطلع العام الجاري. وهذه الحرب تصاحبها في الواقع معارك تجارية متصاعدة أيضا بين الولايات المتحدة وعدد آخر من الدول، بما فيها تلك المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي، فضلا عن الاتهامات الأوروبية للإدارة الأمريكية، بأنها تعمل ضد أي اتفاق تجاري محتمل بين الاتحاد وبريطانيا المنسحبة منه. في ظل هذه الأجواء، يجهد العالم للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية في أقرب وقت ممكن، فالاقتصادات الوطنية بما فيها الكبرى لم تعد تحتمل الأعباء التي تركتها الأزمة المشار إليها، ما دفعها إلى التحرك من أجل تفعيل الحراك الاقتصادي فيها بسرعة وحذر في آن معا. هذا المشهد العام، ولا سيما الجانب الخاص بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، زاد من الضغوط على الأسواق العالمية، وفي الأيام القليلة الماضية، ارتفعت حدة هذه الضغوط، مع تصاعد التوتر في العلاقات الأمريكية - الصينية. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد أجج تقرير الوظائف الأمريكية الذي جاء أسوأ من كل التوقعات الأمر. كل هذا يأتي، بينما لا تزال المحادثات على الساحة الأمريكية بشأن مخططات التحفيز الاقتصادي متعثرة، أو على الأقل متأخرة، وهذا يضع مسألة الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة في دائرة الخطر، وخطط التحفيز هذه مطلوبة بسرعة شديدة. وقبل أيام على سبيل المثال تلقت الأسواق الأوروبية دفعة قوية للغاية فور الإعلان عن خطة الإنقاذ الأوروبي التي بلغت قيمتها 1824 مليار يورو، الأمر الذي يؤكد، أهمية الاتفاق على الخطة المرجوة في الولايات المتحدة. العوامل كثيرة تلك التي تضرب الأسواق العالمية بين الحين والآخر، وكان منها، التوتر الدبلوماسي بين واشنطن وبكين، في أعقاب قيام الولايات المتحدة بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، وقيام الصينيين بإغلاق القنصلية الأمريكية في تشنجدو. لا شك، أن المحور الرئيس للأزمة التي تمر بها الأسواق، يبقى تلك الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وهي حرب تؤثر مباشرة في الاقتصاد العالمي الهش أصلا حتى قبل انفجار وباء كورونا المستجد. دون أن ننسى، أن المشكلات الأخرى بين هذين القطبين تسهم أيضا في الضغط على الأسواق والاقتصاد الدولي، بما فيها تلك الناجمة عن موقف الولايات المتحدة حيال شركة هواوي الصينية، التي خسرت عقودا هائلة على الساحة الأمريكية والبريطانية والأوروبية بشكل عام. لا يمكن تهدئة الأسواق العالمية، إلا بحل المشكلات بين بكين وواشنطن، والعمل الدولي المشترك، من أجل إعادة النمو إلى الاقتصاد العالمي، فهذا الاقتصاد دخل منذ مطلع العام الجاري في أعمق ركود منذ أكثر من 80 عاما، والتحفيز إن وجد يحتاج في حد ذاته إلى زمن كاف لظهور آثاره الإيجابية على الساحة.

إنشرها