الخيمة الناطقة

لم يكن معمر القذافي غبيا ولا ساذجا، لكن جنون العظمة أعمى بصيرته ليقع في فخ كلفه حياته وسلطته واستقرار بلاده، "وإذا وقعت يا فصيح لا تصيح"، وهو صاح بصوت عال قبل لحظات من نهاية شنيعة مذلة ختمت سلطته الاستبدادية.
صرخ على الهواء مباشرة وهو يشاهد الحلقة النارية تحيط بعنقه وكرسي حكمه يتداعى متسائلا بدهشة الملدوغ: من أنتم؟، ليعلم لاحقا وبعد خراب ليبيا على أم رأسه، أنهم من كانوا يتآمرون معه على السعودية تحت سقف خيمته. رد الله تعالى كيده في نحره.
جمعت المؤامرات بين القذافي وحمد بن خليفة وحمد بن جاسم، يحجون إلى خيمته ويرسلون أدواتهم الأقل شأنا إليه يتسولون ويتوسلون دعمه وتحقيق أحلامهم المريضة التي وافقت هوى في نفسه، كان القذافي من غروره يعتقد أنه يستخدمهم، لكنهم في واقع الأمر استخدموه، وحين حانت اللحظة الحاسمة انقلبوا عليه وافترسوه، كانوا وما زالوا أكثر مكرا وتلونا منه، لا ينافسهم في ذلك سوى أدواتهم من مستخدمي الدين للوصول إلى السلطة، وقناة الجزيرة القطرية مثلت الطعم الكبير، وفرت ذراع المؤامرات الإعلامية القطرية ساعات بث مباشر "للأخ القائد" على فترات منتقاة، كانت مثار استغراب أبسط الإعلاميين، ساعات مملة يهذر فيها على هواه منظرا بخزعبلاته واهما أنه يتحدث للشعوب العربية المنتظرة بلهفة كلمة "الأخ القائد".
جمعت نيات الشر بالشعوب العربية بين الثلاثة، أمير قطر السابق مع تابعه وزير خارجيته الماكر حمد بن جاسم والقذافي تحت خيمة الأخير يأكلون ويتآمرون، وكانت قوات مرتزقة قطرية أول الداخلين "الفاتحين" لقصور القذافي المدمرة، في مقاطع مصورة مثبتة، كان الوصول قبل غيرهم لتسجيلات العار هاجسا ضاغطا أبى الله تعالى إلا أن تفضح على رؤوس الأشهاد. عمل ويعمل النظام القطري على زرع القلاقل في الدول العربية، استخدم الإعلام أداة ولم يكتف بذلك بل دعم كل جماعة إرهابية من تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن والظواهري إلى "النصرة" و"داعش" والحوثي، وتحت غطاء الرأي والرأي الآخر المنتقى والموجه لا يظهر على فضاء القناة القطرية رأي آخر عن إيران رغم كل ما يحدث فيها وما يقوم به نظامها من إرهاب في الدول العربية ولا رأي آخر عن تركيا مع انكشاف نياتها تجاه العرب.
الحقد يعمي وقد أعمى القذافي حقده على السعودية "الكبيرة" قدرا وقيمة ومكانة ليس بالمساحة وحدها، بل بنجاح التنمية والأمن والاستقرار، هذا الحقد ربطه بالأكثر حقدا منه فالطيور على أشباهها تقع، ونهايته البشعة حطمت ضلع مثلث الشر منذرة بنهاية الضلعين الآخرين، حتى لو سارعا إلى الابتعاد عن المشهد زيفا وتلونا منهما فهما أجادا التلون والمكر، لكنهما مكرا والله - جل وعلا - خير الماكرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي