الفوركس ووهم الثراء السريع

انتشار وسائل خداع الأفراد في مختلف دول العالم، قصة قديمة لم تنته، ولن تنتهي في ظل وجود مجموعة من الأفراد قليلي التجربة تنتابهم الرغبة الجامحة في الوصول إلى الثراء دون مجهود، حيث انتشرت أشكال من أساليب الدعاية والإعلان لتشجيع الناس على الاستثمار من خلال وسطاء للمتاجرة بالعملات، وهو ما يسمى "الفوركس"، بغرض المضاربة في الأسواق العالمية والحصول على ثروة هائلة جدا خلال فترة قصيرة دون عناء، مع التأكيد للفرد أن هذه التعاملات حققت نجاحا لكثيرين. وتم استخدام أسماء لأسر قبائل سعودية عريقة، لإيهام متلقي الإعلان أنه يتعامل مع شركة مجربة من قبل مجموعة من المواطنين، حققوا من خلالها الثراء الفاحش. كما من الملاحظ أن هذه الشركات عندما تعرض خدماتها على الأفراد، تعرضها بتكلفة ليست عالية، مثل ألفي دولار - مثلا - على أساس أن الفرد من الممكن أن يحقق ثروة هائلة من هذا المبلغ اليسير. ولو تحدثنا عن بعض المرخص منها في دول لديها نوع من التساهل فيما يتعلق بهذه الأنشطة، نجد أنه يأخذ الأموال من الأفراد ويقترض أضعافه، أو يمولهم من أرصدته على أساس أنه يضارب بها في أسواق العملات، ويأخذ عمولات على هذه التداولات، وفي حال نقص المبلغ عن حد مساهمة الفرد، ألف دولار - مثلا - فإنه يبيع تلقائيا كامل محتوى المحفظة ليسترد المبلغ المقترض، ويجعل الفرد يتحمل كامل الخسارة، فتكون هذه الشركات قد حققت عوائد هائلة جدا من أموال المخدوعين.
ولعل أبسط سؤال يسأله الفرد نفسه عندما يعرض عليه مثل هذا الاستثمار، الذي يتم تسويقه وكأنه سبب من أسباب الثراء المضمون، لماذا لا تحتفظ هذه الشركات بالفرصة لنفسها بدلا من أن توزع فرص الربح على الآخرين؟ ولماذا لا يقوم المسوقون لهذه الشركات بالاستثمار لأنفسهم ودلالة أقاربهم عليها بدلا من تسويقها للغرباء إذا ما كان احتمال الربح فيها كبيرا؟ إن الدخول في مثل هذه الاستثمارات نتائجه أسوأ من القمار، باعتبار أن احتمالات الربح من خلالها شبه معدوم، فمن ينساق خلفها خسارته شبه مؤكدة، إذ إن دخوله في عمليات متلاحقة لن تبقي له ربحا، على الافتراض جدلا بأنه حقق شيئا من ذلك في مرحلة من المراحل.
وجود مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها وصعوبة السيطرة على محتواها، جعل لهذه الشركات المحتالة فرصة للوصول إلى أعداد كبيرة من الناس، لتتسع بذلك قائمة المخدوعين والمتضررين من الاستثمار في تلك الأدوات الاستثمارية، ولذلك أصبح من الأهمية بمكان مواجهة هذا المد الجارف من الشركات التي تحتال على المواطنين، ولا شك أن مؤسسة النقد العربي السعودي تقوم بجهود مشكورة من خلال لجنة التوعية المصرفية، التي تعلن دائما مخاطر هذه الأنشطة، وغيرها مما يستهدف أموال الأفراد ويستنزف ثرواتهم ويشغلهم بأنشطة قد تتسبب في استنزاف ثرواتهم، وبالتالي تسرب الأموال خارج المملكة، ما يكون له أضرار اقتصادية على المجتمع، وآثار تتجاوز الآثار الاقتصادية. ومن هنا، تأتي أهمية مشاركة مجموعة من الجهات بالتنسيق مع مؤسسة النقد، في التحذير من مختلف الأنشطة المشبوهة ماليا، التي تؤدي بالأفراد إلى خسائر كبيرة، أو الدخول في أنشطة مشبوهة قد يكون جزء كبير منها مجرما دوليا. ولا شك أن انتشار هذه الإعلانات أخيرا، يدل - بلا شك - على أن هناك تجاوبا معها من قبل كثير من الأفراد، إذ إنها لا يمكن أن تنفق قرشا واحد للإعلانات لدى مجتمع واع لا يمكن أن ينخدع بأساليب تلك الشركات الإعلانية، كما أن الوفرة المالية لكثير من الأفراد في المجتمع دون معرفة بممارسات تلك الشركات سيجعل بعضهم صيدا سهلا لها.
فالخلاصة، إن الدعاية الضخمة للمساهمة في الشركات غير المرخصة في المملكة وغير الموثوقة، فيها أضرار على الاقتصاد الوطني وثروات الأفراد. ومن هنا تأتي أهمية التعاون مع اللجنة المختصة في مؤسسة النقد لنشر الوعي مجتمعيا بخطورة هذه المعاملات، حيث لا سقف لتأثيرها في الجانب الاقتصادي فقط، بل يتجاوزه إلى آثار اجتماعية في الأفراد والأسر في المملكة، إذ إن وهم الثراء السريع حلم يجعل البعض ينساق خلف هذه الدعاية، خصوصا بأنها توهم المستثمر أنه بالمال القليل يمكن أن يحقق عوائد هائلة، ومع ذلك، ترك ملاك تلك الشركات وموظفوها هذه الفرصة ليمنحوها لشخص لا يعرفونه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي