Author

هل نتجه نحو ثقافة إدارية جديدة؟

|
هل فرضت التقنية نفسها في كثير من المجتمعات؟ سؤال طرحته على نفسي، وطفقت أبحث عن شواهد، فيما إذا كانت الإجابة نعم، أو شواهد تنفي ذلك، ومن متابعة لما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن تجربة شخصية تبين لي أن الإجابة بنعم واجبة، ولا يمكن إنكارها، ليس فقط على مستوى الاستخدام الشخصي فيما يتعلق باستخدامها لمتابعة الأحداث، والجديد محليا وعالميا، أو في التسلية لمشاهدة الأفلام والبرامج، أو في متابعة الجديد في مجال التخصص من خلال قواعد المعلومات، والمجلات المختصة التي أصبحت متاحة من خلال كلمات مفتاحية للموضوع محل الاهتمام لتتدفق العناوين ذات العلاقة بشكل لم يكن متاحا من قبل.
ما أحدثته التقنية من تغير في المجال الإداري لدينا في المملكة وفي دول أخرى من نقلة كبيرة، يمثل إنجازا فائقا ترتب عليه توفير الوقت والجهد على كثيرين ممن يؤثرون تجنب الزحام والمشقة في مدينة كالرياض من الصعوبة وجود المواقف، خاصة عند الجهات الخدمية التي تؤمها أعداد غفيرة من الناس، كالجوازات والأحوال المدنية، وغيرهما من الجهات الحكومية.
قبل الإشارة إلى الجهات التي تقدم خدمات إلكترونية متميزة يلزم التذكير بالطوابير والزحام الذي كنا نشاهده قبل أعوام والذهاب المبكر من بعد صلاة الفجر في محاولة لسبق الآخرين بهدف إنجاز المهمة، وما يصاحب ذلك من خصومات وعراك بين الناس نتيجة سوء التصرف، ورداءة التنظيم من قبل الجهة مقدمة الخدمة.
وزارة الداخلية، ومن خلال تطبيق أبشر وفرت كثيرا من الجهد والعناء، ليس على موظفيها مقدمي الخدمة، لكن على طالبي الخدمة من مواطنين ووافدين.
تجديد الجواز أو إصداره، أو إصدار الإقامة، أو تجديدها لم يعد مرتبطا بالمشقة والزحام، بل من البيت ينجز المرء مهمته بطريقة ميسرة وسلسة لا تأخذ إلا دقائق معدودات، حيث المعلومات المطلوبة من الفرد مخزنة حتى صورته الشخصية كذلك، كما أن الجديد في الموضوع خدمة الإيصال المتاحة من قبل البريد السعودي الذي يصل إلى الفرد في منزله مقابل رسوم معقولة.
خلال أسبوع أصدرت إقامتين جديدتين، وجددت الجواز الخاص بي، الإقامتان طلبت إيصالهما من خلال البريد السعودي، أما الجواز فرأيت الذهاب بنفسي لمعرفة المستجد، ومن الجميل في هذا الأمر أخذ موعد للتسلم حدا للزحام والفوضى التي تحدث نتيجة تكدس الناس ممن له أمر ينجزه، أو من ليس له شيء من ذلك عدا التطفل والفراغ. المشهد خارج الجوازات مريح للعين والنفس، حيث الناس يسيرون بانتظام وأعداد قليلة مع رجال أمن محترمين يقيسون درجة حرارة الفرد، ويتأكدون من وجود موعد له.
أما في الداخل، فالأمر مريج جدا، إذ لا يجد المرء إلا أعدادا قليلة لا تزيد على أصابع اليد في الصالات، ووفق نظام الأرقام، ولا أبالغ إن قلت إنني من دخولي حتى تسلم الجواز لم أستغرق ست دقائق، حقا، "أبشر" اسم على مسمى، ومثّل نقلة كبيرة في تعامل الجهات الحكومية مع طالبي الخدمة بشكل حضاري مريح لكلا الطرفين، مما يريح الناس ويجنبهم المشقة، ولذا أرى أن يستمر نظام حجز الموعد حتى بعد زوال الوباء، مع الأخذ في الحسبان الحالات الطارئة التي لا تحتمل الانتظار لأخذ موعد للتسلم، كشخص مريض، أو رجل أعمال، أو طالب يحتاج إلى السفر للالتحاق بالدراسة من بدايتها.
بعض الجهات اكتشفت مع الجائحة عدم ضرورة حضور موظفيها لمكان العمل، وإمكانية العمل عن بعد من المنزل، أو حتى من خارج البلاد، حقا التقنية أوجدت تفكيرا إداريا في كثير من المجالات، كالمصارف، وبعض الوزارات، كما في الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية، وحبذا لو حذت حذوها الدوائر الحكومية الأخرى ذات العلاقة بالجمهور للتخلص من سلبيات وجود الناس وتكدسهم في المكان في الوقت نفسه. ما من شك أننا في الطريق للانتقال بالفكرة لتكون ثقافة لها أنظمتها وقواعدها، وربما تأثيرها في الهيكلية التنظيمية لبعض الجهات، إذ قد نستبدل ثقافة إنجاز العمل محل الحضور لمقر العمل الممارس حاليا الذي لا يترتب عليه إنجاز حقيقي في بعض الأحيان.
من الممارسات الإدارية القائمة حساب الساعات التي يتأخر فيها الموظف عن الوصول إلى مقر العمل، وفي حال اكتمال سبع ساعات يخصم عليه يوم من راتبه، ومع التحولات في الفكر الإداري فلا معنى لوجود الموظف في مقر العمل، حتى لو لم ينجز شيئا، بل إن ضرره أكبر من نفعه، إذ قد يشغل زملاءه عن العمل ويزعجهم، ويجد المشكلات معهم، ما يعيقهم عن إنجاز مهماتهم، ولذا فإن قاعدة إنجاز العمل، وإتقانه، وجودته أولى من الحضور دون إنجاز.
إنشرها