Author

عبثية الغضب من الماضي

|
محاسبة الماضي بمقاييس الحاضر فيها نوع من الحدة والتطرف. إذ لا يمكن لوم إنسان عاش قبل 500 أو ألف عام، لأنه يختلف عن مقاييسك الحضارية والإنسانية.
التطور الذي شهدته منظومة القيم والمفاهيم الإنسانية نتاج تجارب ومعارف تضيق وتتسع مع الزمن.
الجدل الدائر في أمريكا والعالم بعد حادثة جورج فلويد تجاوز كونه احتجاجا على جريمة. وقد امتد لاستحضار كل الماضي والنظر إليه بغضب، والتعامل مع صناع هذا الماضي بغضب اللحظة الحالية، بصفتهم مستعمرين جلبوا الغرباء. وهذه حقيقة تاريخية، لكن استحضارها ليس هذا مكانه.
الحركة يتم استخدام أحفاد من تم خطف أجدادهم وجلبهم للعمل رقيقا للقادمين الجدد من إسبانيا وأوروبا لتسويغها. ورغم أنه تم ردم الهوة مع الماضي بإلغاء الرق. لكن مع تسييس جدل الماضي، هناك من دعا إلى شطب هذا التاريخ الذي لا يمكن تغييره إذ يمثل أساس بناء مجتمعهم، بغض النظر عن القبول به. فالنقاش لا يتعلق بذلك. بل يتعلق بردة فعل تجاوزت حتى قيم مارتن لوثر كنج أو مالك شباز لتؤسس للقطيعة مع الرواد الأوائل ليس فقط في الولايات المتحدة بل في القارة الأمريكية.
المشكلة أن هذه الأمور لا تقدم علاجا لجراح الماضي، بل تزيد الفجوة، فالمطلوب علاج سحري للعنصرية.
أشرت في أكثر من مقالة إلى أن العنصرية موجودة في النفس البشرية - إلا من رحم الله - والحل يكمن في تشديد التشريعات لتهذيبها.
الخشية من انتقال فكرة النظر للماضي بغضب من أمريكا وانتشارها عالميا، وهذا قد يعني استهداف ثوابت وقيم مجتمعية كاملة. هذا خطير، ولا فائدة منه. بل قد تصبح حركة تتطاول على الماضي بأكمله، بكل ما يتمتع به من تقدير وتكريم واعتزاز.
الإلحاح على محاكمة الماضي فكرة عبثية من الضروري التنبه لخطورتها. وهذا لا يعني التغاضي أو تبرير التجاوزات في حق جورج وسواه.
إنشرها