default Author

دماغك في أطباق المختبرات

|
قد يستهجن كثير منكم هذا العنوان ويرونه إما دلالة على جريمة وإما وجبة لآكلي لحوم البشر، لكنه في الوقت نفسه خبر مفرح جدا للباحثين والعلماء والعاملين في مجال الصيدلة والطب النفسي وطب الأعصاب وفتح جديد في مجال البحث العلمي. نعم لقد أمكن استزراع دماغ بشري صغير جدا بحجم عين ذبابة منزلية بالكاد تراه بالعين المجردة يحاكي دماغ البشر، هذا الدماغ البشري الوليد سيحل كثيرا من المشكلات ويمهد الطريق لاكتشافات دوائية تعالج الأمراض العصبية والعقلية المستعصية رغم صغر حجمه.
يعد الدماغ البشري من أكثر الأعضاء تعقيدا وتشكل دراسته تحديا حقيقيا يواجه العلماء، ليس بسبب تعقيد بنيته بل لصعوبة التلاعب به وإخضاعه لاختبارات تجريبية، لذا لجأ الباحثون إلى حيوانات التجارب من فئران وجرذان أو قرود لدراسة الدماغ، ورغم ما قدمته لنا تلك الحيوانات، إلا أن الدماغ البشري أكثر تعقيدا مما نتصور ويتفرد بميزات خاصة، لذا فشلت عديد من الدراسات وأصبحت الحاجة ملحة إلى وجود نظام حيوي يحاكي الدماغ البشري بتعقيداته البنائية والوظيفية، ويمكن إخضاعه للاختبارات والتجارب.
يقول البروفيسور توماس هارتونج من جامعة جونس هوبكنز الأمريكية، الذي تمكن هو وفريقه من إنماء أدمغة بشرية صغيرة مكونة من كتل خلوية تحوي خلايا عصبية تحاكي بعض المناطق الدماغية عند الإنسان، "نحو 95 في المائة من العقاقير المجربة على النماذج الحيوانية التي أظهرت نتائج علاجية واعدة، قد فشلت في تحقيق الفائدة المرجوة منها لدى اختبارها على البشر، فضلا عن القدر الكبير والنفقات والوقت المبذول لإجراء الدراسات". ويرى الباحثون أن استخدام تلك الأدمغة في الأبحاث سيتفوق على نظيراتها من حيوانات التجارب، لأن هذه الأدمغة مشتقة أساسا من البشر وستحل محل مئات الآلاف من حيوانات التجارب المستخدمة في مختبرات العلوم العصبية.
أول من طور نسيج دماغي ثلاثي أبعاد هي الدكتورة مادلين لاكاستر من معهد العلوم والتكنولوجيا في النمسا لتفتح الباب أمام ثورة علمية قادمة. تنشأ تلك الأدمغة على أطباق المختبرات بوساطة أخذ خلايا من جلد أشخاص أصحاء، ويعيدون برمجتها بحيث تكتسب صفات الخلايا الجذعية ومن ثم تحفيزها للنمو باتجاه تشكيل أدمغة صغيرة، لأن الخلايا الجذعية كما نعلم تتشكل حسب ما نريد. الطبق الواحد قد يحتوي على 100 دماغ بشري.
هذه الأدمغة التي يعمل هارتونج وفريقه على إنتاجها بشكل تجاري ستساعد على إيجاد علاجات ناجعة - بإذن الله - لاضطرابات وأمراض دماغية مستعصية كمرض ألزهايمر وباركنسون والتصلب المتعدد حتى مرض التوحد والسكتة الدماغية والإصابات الفيروسية.
إنشرها