الإيجابية
كثر أخيرا تداول مصطلح الإيجابية والدعوات المتكررة لحضور دورات تحمل عناوين مثل، "كن إيجابيا أو كيف تكون إيجابيا"، فما هذه الإيجابية؟ وما المقصود أن يكون الإنسان إيجابيا؟ هل هي التفاؤل بمعناه الواسع؟ أم أنها فعل الخير ومحبته للناس؟ أم أنها النظرة الجميلة للواقع والمستقبل؟ الحقيقة أنها تشمل كل ما سبق، فالإيجابية وإن كانت بذرتها فطرية جبلية إلا أنها مهارة مثل بقية المهارات تكتسب بالتعلم والتطور المستمر، فهي تندرج تحت عاملين رئيسين أولهما طريقة التفكير وثانيهما طريقة التصرف، وكلا العاملين قابل للتغيير والتطوير، فالإيجابية إذا مزيج من طريقة تفكير الإنسان وطريقة تصرفه بعد ذلك.. صحيح أن الإنسان ليس بوسعه التحكم في الظروف والأحوال الخارجية، ولكن بكل تأكيد فإنه يمكنه التحكم في نفسه وفي تصرفاته. وكثيرا ما يستوقفني حديث الفسيلة، وهو حديث صحيح يقول فيه، عليه الصلاة والسلام، "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها". فأي إيجابية بعد هذه وأي نظرة تفاؤلية أعلى من هذه؟ الساعة على وشك القيام والناس مذهولون بتبعاتها وما يصحبها، ومع ذلك نؤمر بغرس الفسيلة وهي التي لا تثمر أصلا ولا يستفاد منها إلا بعد مدة طويلة من غرسها. إذا لم تكن هذه هي الإيجابية بعينها فما هي إذا؟ فالحديث يأمر الناس أن يكونوا إيجابيين بتقديم كل ما يمكنهم عمله من خير دون انتظار النتائج. اعمل، شارك في البناء، لا تقف خوفا من النتائج المجهولة.. إن من أبعد الناس عن الإيجابية أولئك النفر الذين "لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب"! فتجدهم متذمرين باستمرار يشكون من الحياة ومن أنفسهم وممن حولهم، فمثل هؤلاء الفرار منهم واجب والبعد عنهم سبيل نجاة.. كن جميلا ترى الوجود جميلا.. إن من أهم صفات الشخص الإيجابي أن يكون متفائلا، راضيا بما قسم الله له، صادقا مع نفسه ومع من حوله، قادرا على التحكم في نفسه وانفعالاته، يود الخير للآخرين.. فالإيجابية هي أمر يمكن السعي إليه والحصول عليه.
قال السماء كئيبة وتجهما ** قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
قال الصبا ولى فقلت له ابتسم ** لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
وأخيرا، نحن نحرص باستمرار على أن نشحن أجهزتنا المحمولة بالطاقة الكهربائية، أليس من باب أولى أن نشحن أنفسنا بالطاقة الإيجابية فالحياة أقصر من أن نهدرها بالأفكار السلبية.