default Author

ذكي بلا دماغ

|
من المتعارف عليه علميا، أن الكائن الحي لا يمكن أن يتعلم أو يتذكر أو يبني معلومات جديدة على تجارب سابقة وينقلها إلى كائن آخر أو يتخذ قرارا ما، دون أن يكون لديه دماغ أو جهاز عصبي، ليأتي كائن هلامي أعيد اكتشافه منتصف العام الفائت، ليكسر هذه الحقيقة ويوقع العلماء في حيرة من أمرهم ويدفعهم إلى إعادة تفكيرهم ومراجعة أنفسهم في فهم الذكاء البيولوجي!
أطلق على هذا الكائن المعروف علميا بـ"البوليسيفالوم" اسم بلوب وتعني "العفن الغروي". يعتقد أن هذا الكائن كان موجودا على الأقل منذ مليار عام، ولكن لم يتم اكتشافه إلا عام 1973 من قبل مواطنة أمريكية من ولاية تكساس عثرت عليه في حديقة منزلها الخلفية. اهتمت به الصحف - آنذاك - ثم طواه النسيان، وفي منتصف عام 2019 عرضته حديقة الحيوان في باريس. يتكون هذا الكائن الحي العجيب من خلية وحيدة ضخمة بلا فم ولا عينين، لكنه يتحرك وينتشر بسرعة خمسة سنتيمترات في الساعة، له 720 جنسا ويتمتع بذكاء غريب، فبإمكانه شفاء نفسه ذاتيا عندما يتعرض إلى الضرر، كما بإمكانه حل بعض المشكلات مثل إيجاد أقصر وأسرع طريق للخروج من متاهة ما، وتوقع التغيرات المفاجئة في محيطه، على الرغم من أنه لا يملك دماغا، كما أن بإمكانه رصد وجود الغذاء وهضمه؟
إنه ليس بحيوان ولا نبات ولا حتى عفن. غذاؤه المفضل دقيق الشوفان، وألد أعدائه الضوء والجفاف، فهو يفضل العيش في درجات الحرارة التي تراوح بين 19 و 25 درجة مئوية، ورطوبة عالية تراوح بين 80 و 100 في المائة، أما الأماكن المفضلة لديه فهي أشجار الأكاسيا، ولحاء شجر السنديان وشجر الكستناء.
يقول برونو دافيد مدير متحف باريس للتاريخ الطبيعي، إن "المخاط كائن حي ينتمي إلى واحدة من عجائب الطبيعة الغامضة. إنه يثير دهشتنا لأنه لا يملك دماغا غير أنه قادر على التعلم، وفي حالة قمت بدمج اثنين منه، فإن الذي تعلم أمرا ما يقوم بنقل معارفه إلى الآخر".
وفي بحث جديد نشرته "الجمعية الملكية البريطانية"، توصلوا إلى أن بإمكان هذا الجنس المكتشف حديثا تجنب المواد الضارة أثناء تمدده وتنقله، ويظل حذرا منها حتى بعد مرور عام كامل!
ويستمر هذا الكائن في إثارة دهشة العلماء، فعندما ينوي الالتحام مع كائن آخر لتكوين شبكة وتغطية أكبر مساحة ممكنة للبحث عن الغذاء، لا بد أن يكون الكائن الآخر متوافقا معه جينيا، فهو لا يلتحم اعتباطا، بل وفق خوارزميات محددة دفعت العلماء إلى ضرورة إعادة فهمهم عن حقيقة الذكاء البيولوجي!
إنشرها