العالم المتحد في مواجهة كورونا

إدارة الاقتصاد العالمي مفهوم جديد كليا ظهر إبان الأزمة المالية العالمية عام 2018، وقبلها كانت النقاشات التي تعمل عليها دول العشرين أو حتى مجموعة الثماني كلها تتمحور حول قضايا الاحتباس الحراري والبيئة، لكنها لم تصل أبدا إلى مستوى إدارة شاملة للاقتصاد العالمي، ولعل القضايا الكبرى التي تتطلب مثل هذا العمل لم تكن قد حدثت فعلا؛ فالأزمات كانت طبيعتها على مستوى الدولة، وكانت نماذج الاقتصاد الكنزي كفيلة بمعالجة مثل هذه الحالات، لكن الواقع اختلف نوعا ما مع الأزمة المالية العالمية؛ حيث ثبت أن ترك دولة ما تصارع الأزمة منفردة قد يقود إلى تصدير الأزمة إلى دولة أخرى، وثبت هذا فعليا مع الأزمة الأمريكية واليونانية والإسبانية حينها، تلك الأحداث جعلت مجموعة العشرين تطرح آلية أكثر فعالية من أجل إدارة الاقتصاد العالمي وفقا لما تتطلبه النظرية الكنزية من التدخل الحكومي العالمي، وذلك من خلال إنشاء مجلس الاستقرار المالي في المجموعة عام 2009، كجهة دولية تراقب وتقدم التوصيات بشأن النظام المالي العالمي. ويسعى مجلس الاستقرار المالي، إلى تقوية الأنظمة المالية وزيادة استقرار الأسواق المالية الدولية.

 

ويجري تنفيذ السياسات الموضوعة في متابعة هذا الهدف من قبل الحكومات. لقد كان القلق مع الأزمة المالية عام 2008 يتمحور حول انكشاف الدين، واليوم يعود القلق نحو مشكلة الديون وقد تضاعفت أكثر لكن مع جائحة أكثر خطرا وهي انتشار فيروس كورونا.

هذا القلق وجد صداه بقوة في اجتماعات مجموعة العشرين خلال الأسبوع الماضي الذي ترأسته المملكة، فالدول ذات المديونية العالية ومع ضرورة القيام بالإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس ستجد نفسها أمام مشكلة تراجع خطير في النمو الاقتصادي لديها، وبالتالي قدرة الحكومة على جمع الضرائب أو إنتاج موارد كافية لخدمة الدين العام، ولهذا نقاش وزراء مالية دول مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية في اجتماعات الأمس كانت عن دور صندوق النقد والبنك الدوليين في توفير الموارد واستكشاف إجراءات لتخفيف حدة نقص السيولة في الأسواق، وذلك بعد أن تعهد زعماء مجموعة العشرين، الأسبوع الماضي، بضخ أكثر من خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي؛ للحد من فقد الوظائف والدخل بفعل التفشي، مع العمل على تقليل الاضطرابات في الإمدادات الناجمة عن إغلاق الحدود بهدف الحد من انتشار الفيروس.

إن الهدف الأساس اليوم أمام دول العالم هو إيقاف هذا المرض وبسرعة، ثم الحيلولة أمام تحوله إلى مشكلة اقتصادية بسبب إغلاق الحدود وتوقف العمل والإنتاج أو انهيار سلاسل التوريد بسبب نقص السيولة، ولذلك كانت نتائج الاجتماع الوزاري مبشرة مع ترحيبهم بمبادرة مجموعة البنك الدولي لتقديم 160 مليار دولار على مدى الـ15 شهرا المقبلة، كما اتفق وزراء التجارة في دول مجموعة العشرين على إبقاء أسواقهم مفتوحة وضمان استمرار تدفق الإمدادات والمعدات الطبية وغيرها من السلع الحيوية، وهذا كفيل حتى الآن على الأقل، بإزاحة القلق من الأزمة الاقتصادية، أو تحول أزمة الديون إلى أزمة سيولة مالية قد تهدد بنية النظام المالي العالمي في أشد وقت هو بحاجة فيه إلى الاستقرار وتوفير الدعم للمؤسسات والشركات من أجل الصمود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي