Author

فيروس «كوفيد - 19» ومواجهة التحديات

|

مع تفشي فيروس كورونا في الصين، وانتشاره خارج مقاطعة ووهان إلى مناطق أخرى داخل الصين، ودول أخرى اختلفت الإجراءات من دولة لأخرى، حسب الشعور بالمسؤولية، والإمكانات المتوافرة، والوعي المجتمعي، وهذه الأسباب، والأخذ بها من عدمه؛ أسهمت في خروج الوضع عن السيطرة في بعض الدول كما في إيطاليا، وإيران؛ ما جعل الوضع مثيرا للرعب على المستويين الشعبي، والحكومي، حيث تتحمل حكومات هذه الدول الجزء الأكبر من المسؤولية، إذ بيدها الإمكانات المادية، والتنظيمية، والقرارات الحاسمة، إضافة إلى أوعية الوعي، والإرشاد المنظم، المستند إلى الحقائق التي تستهدف المصلحة العامة.


بريطانيا إحدى الدول التي تعاملت مع الوضع بصورة مثيرة للاستغراب، من حيث التراخي في مكافحة الوباء، حيث أخذت بمشورة مستشار الحكومة، إذ طرح ما أسماها بنظرية المناعة المجتمعية التي تتلخص في أنه في حال إصابة 60 في المائة من الناس في بريطانيا؛ سيكتسب المجتمع مناعة ضد الفيروس، ومن ثم لن يكمل «كورونا» مسيرة الانتشار؛ لعدم قدرته على اختراق المناعة لدى الأفراد، وبناء على هذه المشورة ارتأت الحكومة البريطانية عدم إيقاف الدراسة في التعليم العام، والجامعات، واستمرار العمل كالمعتاد في كل المجالات، ومثل هذا الطرح غريب؛ لما له من تأثير في صحة الناس، وحياتهم.


خطاب رئيس الوزراء البريطاني حمل كثيرا مما يثير الهلع لدى الناس؛ حين قال، "ستفقدون كثيرا من أحبابكم"، ومع الهجوم الإعلامي على تصرف حكومة بريطانيا، وتراخيها إلا أن الإصرار على بقاء الأمور على ما هي عليه هو الاستجابة التي قامت بها الحكومة للنقد الشديد الذي وجه إليها، وربما أن العامل المادي في التقليل من المصروفات؛ الناجم عن الاحتشاد في المستشفيات له دور أساس، حيث ورد في التصريحات الرسمية.


الخطاب الاعلامي، سواء الإعلام الرسمي التقليدي، أو الإعلام الحديث أسهم في إيجاد صورة مخيفة بشأن الفيروس، حتى إن الناس في الغرب، وبعض الدول العربية تسابقوا إلى الأسواق؛ لشراء التموينات، ومواد النظافة، وكأن بيوتهم خالية من هذه الأشياء، أو الأزمة ستستمر وقتا طويلا، وربما يعود السبب في ذلك إلى جهلهم بشأن الفيروس، وغيره من الفيروسات، والأمراض الأخرى، إضافة إلى المعلومات المتناقضة التي يسهم فيها أطباء يفترض فيهم الدقة، وتقديم التوجيه، والنصائح الهادفة، وبما يشيع الطمأنينة، ويزيل القلق.


الإجراءات الاحترازية التي نفذتها المملكة، وغيرها من الدول، كتعطيل المدارس، والجامعات، وكذا إجراءات وزارة الصحة من فحص، وتعليمات، وإرشادات صحية، وإقامة منزلية، إضافة إلى عزل المصابين والمشتبه في حملهم الفيروس، وكذلك ما قامت به وزارة الشؤون الإسلامية بشأن مواعيد الصلاة والإقامة وإيقاف صلاة الجماعة والجمعة، وهيئة الطيران المدني في منع الرحلات الدولية، تمثل إجراءات الشعور بالمسؤولية لتفادي انتشار الفيروس ومن ثم الوصول إلى مستوى العجز عن المكافحة، والعلاج في حال انتشاره -لا سمح الله- كما أن فتاوى هيئة كبار العلماء أزالت ما يمكن أن يوجد من لبس بشأن الصلاة الجماعية عند البعض؛ ما يزيل الحرج ويشعر بالطمأنينة، وبلغت إجراءات محاربة الوباء حد تعليق العمل في القطاعات الحكومية والخاصة.


البشر بطبيعتهم محبون للحياة، وما يصدر عنهم من سلوكيات غريبة في زمن الأزمات أمر متوقع «يا روح ما بعدك روح» حتى ولو كانت خارجة عن المألوف؛ والسبب في ظني يعود إلى الدعة، ورتابة الحياة لكثير من الناس، وكذلك قلة الوعي الصحي، والثقافة الصحية التي يفترض تجسيدها لدى الناس منذ الصغر، سواء من خلال المناهج الدراسية، أو الممارسات في المنزل.


من نعم الله على المسلمين أن الصلاة لا تصح إلا بالوضوء المطهر للأنف، والفم، والسبيلين، واليدين، والرجلين، إضافة إلى غسل اليدين، والفم بعد الطعام، وكذلك تحريم أكل بعض الحيوانات، والحشرات التي ثبتت علاقتها بالأمراض الفيروسية، والبكتيرية، ولعل دروسا كهذه تبث من خلال وسائل الإعلام، وخطب الجمعة، وحصص النشاط والمسرحيات، وكل الأنشطة الأخرى؛ لتسهم في نشر ثقافة الصحة، والوقاية بدلا من استيقاظة النائم المفاجئة على صوت جرس، أو هاتف. إن ما قامت به المملكة من إجراءات له ثمنه الاقتصادي، لكن الإنسان أثمن ما تمتلكه الأوطان.

إنشرها