النفط يستهل الأسبوع بخسائر حادة .. خفض الفائدة يفشل في دعم الأسعار

النفط يستهل الأسبوع بخسائر حادة .. خفض الفائدة يفشل في دعم الأسعار

استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على خسائر جديدة، بسبب حالة الهلع المسيطرة على أسواق المال الدولية جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد في كل دول العالم، إضافة إلى استمرار تخمة المعروض وحرب الأسعار بين كبار المنتجين، بعد تعثر التوصل إلى اتفاق جديد لخفض الإنتاج وانهيار التعاون في إطار تحالف "أوبك+".
وحاولت الولايات المتحدة تهدئة موجة المخاوف العنيفة في السوق وتحجيم الخسائر المتتالية عبر قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة، لكن هذا التحرك فشل في دعم الأسعار على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تسارع وتيرة شراء النفط الخام لملء الاحتياطي الاستراتيجي في البلاد، بالاستفادة من الأسعار الحالية المنخفضة للغاية.
ووفقا لـ"رويترز"، انخفضت أسعار النفط الأمريكي لما دون 30 دولارا للبرميل أمس، حيث تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنسبة 5.6 في المائة بمقدار 1.79 دولار مسجلا 29.65 دولار للبرميل، تزامنا مع هبوط خام برنت 2.89 دولار بما يوازي 8.5 في المائة إلى 30.96 دولار للبرميل بحلول الساعة 1012 بتوقيت جرينتش.
ولمواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار الوباء، خفض "المركزي الأمريكي" سعر الفائدة الرئيس إلى قرب الصفر، ما أطلق عمليات تيسير غير مخططة من قبل بنك الاحتياطي النيوزيلندي إلى مستوى قياسي متدن، مع فتح الأسواق في آسيا للتداول هذا الأسبوع.
كما تدخل بنك اليابان في وقت لاحق وقام بتيسير السياسة النقدية أكثر في اجتماع طارئ، لكن الإجراءات فشلت في تهدئة المستثمرين، وشهدت أسواق الأسهم تراجعات جديدة.
وتراجع الإنتاج الصناعي الصيني بنسبة 13.5 في المائة في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهو تراجع يفوق التوقعات بكثير ويشكل أقل قراءة منذ كانون الثاني (يناير) 1990 عندما بدأت سجلات "رويترز".
وإضافة إلى ذلك سجل برنت خام غرب تكساس الوسيط أقل مستوى منذ 2016 ما يجعل الخام الأمريكي لا يتمتع بالتنافسية في الأسواق العالمية.
وتعرضت أسعار النفط لضغوط هائلة على جانبي الطلب والعرض، إذ أثرت مخاوف انتشار وباء كورونا سلبا في الطلب.
وقال لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون "إن تهاوي الأسعار والانكماش في السوق يضربان بقوة الاقتصاد العالمي، إضافة إلى الضغط على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين يواجهون بشدة شبح الإفلاس في ضوء استمرار تدهور الأسعار".
وأوضح المختصون أن اتجاه الولايات المتحدة إلى التوسع في شراء النفط الخام لملء الاحتياطي الاستراتيجي قد ينعش مستويات الطلب بشكل نسبي، ولكن بيانات لبنك جولدمان ساكس رجحت أن الشراء الأمريكي من الصعب أن يوقف نزيف الأسعار التي تقترب من كسر حاجز 30 دولارا للبرميل هبوطا.
وفي هذا الإطار يقول روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية لـ"الاقتصادية"، "إن البيئة السعرية الحالية غير ملائمة لبعض المنتجين خاصة في ضوء توقعات باستمرار الخسائر وتهاوي الأسعار في إطار الوضع المضطرب للاقتصاد العالمي واستمرار انتشار فيروس كورونا المدمر في عديد من دول العالم".
وأوضح أن دول "أوبك" - على رأسها السعودية - لديها مرونة إنتاجية وقدرة على تحمل مستويات منخفضة للأسعار في ضوء أنها تتمتع بأدنى تكاليف إنتاج لبرميل النفط في العالم، لافتا إلى أن "أوبك" تعتقد أنه في ظل المرحلة الراهنة وفي ضوء تعثر الاتفاق مع روسيا على خفض الإنتاج يكون المنتجون ذوو التكلفة المرتفعة مجبرين على التوقف والخروج من السوق في ظل مستوى الأسعار الحالي.
من جانبه يقول دامير تسبرات مدير تنمية الأعمال في شركة "تكنيك جروب" الدولية "إن تحالف "أوبك+" واجه انهيارا لم يكن متوقعا من قبل، خاصة أن هذا التحالف استمر أربعة أعوام سابقة ونجح في قيادة السوق نحو كثير من التوازن والاستقرار، تحديدا في ضوء أنه يمثل نصف المعروض العالمي من النفط الخام، لكن أزمة فيروس كورونا وتأثيرها الواسع في الطلب العالمي قلبا الطاولة بعدما أصرت روسيا على الانسحاب وترك الأسعار في نفق الانخفاضات الحادة المتوالية".
وأشار إلى أن روسيا ألمحت قبل بدء الاجتماع الوزاري للمنتجين في "أوبك+" قبل نحو أسبوعين إلى أنها تستطيع تحمل أسعار النفط في حدود 25 إلى 30 دولارا للبرميل لمدة ستة إلى عشرة أعوام، كما أكد ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي أن شركات النفط الروسية ستظل قادرة على المنافسة عند أي مستوى متوقع للأسعار، وهو ما عدّته الأوساط الدولية تدشينا لمرحلة جديدة يعمل فيها المنتجون بشكل فردي ويتركون الأسعار بالكامل إلى تفاعلات العرض والطلب.
من ناحيتها تقول نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط وإفريقيا في الغرفة الفيدرالية النمساوية لـ"الاقتصادية"، "إن انهيار تحالف "أوبك+" جاء في توقيت عصيب يواجه فيه الطلب العالمي تحديات جسيمة جراء انتشار فيروس كورونا كما يواجه الاقتصاد العالمي بشكل عام مخاوف حادة من الركود والانكماش الاقتصادي المؤثر الذي يطول جميع القطاعات".
وأضافت أن "الدول الأصغر المنتجة للنفط تواجه وضعا أكثر صعوبة مثل نيجيريا وليبيا، وكانت قد عانت بالفعل أزمات كبيرة خلال فترة الانكماش في السوق التي حدثت بين عامي 2014-2016، لافتة إلى أن أغلب الدول المنتجة في "أوبك" والشرق الأوسط وإفريقيا لا يمكن أن تقر موازنات منضبطة ومتوازنة في ظل سعر لبرميل النفط أقل من 40 دولارا".
من جانبه يقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة "إن توجه الإدارة الأمريكية نحو تجديد احتياطي النفط الاستراتيجي سيمكن من شراء ما يصل إلى 77 مليون برميل من السوق العالمية وبالتالي إنعاش صناعة النفط في ظل الظروف العصيبة الراهنة، كما أدى إلى مكاسب سعرية نسبية لم تصمد طويلا".
وأشار إلى أن القرار الأمريكي يقدم دعما محدودا للأسعار في ضوء حالة زيادة العرض التي تقودها السعودية وروسيا بدءا من الشهر المقبل، عادّا ملء الاحتياطي لن يعوض بشكل جوهري الموجة العارمة للإمدادات الجديدة التي تضرب سوق النفط العالمية، لكنه يمكن أن يدعم الطلب بنمو بنحو 430 ألف برميل يوميا على مدى ستة أشهر تقريبا.
ومن ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار انخفض النفط أمس، مع إخفاق خفض طارئ من مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأمريكي" لأسعار الفائدة في تهدئة أسواق المال العالمية المصابة بالفزع من الانتشار السريع لفيروس كورونا، بينما تضاف حرب الأسعار بين كبار المنتجين إلى تخمة متنامية في الإمدادات. وهبط خام برنت 2.07 دولار إلى 31.78 دولار للبرميل بحلول الساعة 0729 بتوقيت جرينتش ليواصل انخفاضا بنسبة 25 في المائة سجله الأسبوع الماضي في أكبر تراجع أسبوعي منذ عام 2008. وفتح عقد شهر أقرب استحقاق على ارتفاع إذ سجل 35.84 دولار، لكنه انخفض إلى مستوى متدن بلغ 31.63 دولار.
وتراجع الخام الأمريكي 1.38 دولار إلى 30.35 دولار للبرميل بعد أن هبط لما دون 30 دولارا للبرميل في وقت سابق من الجلسة على الرغم من تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بملء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي "عن آخره" في أكبر مستهلك للخام في العالم.
وقال مايكل تران المحلل لدى "آر.بي.سي كابيتال ماركتس"، "بينما يساعد ذلك بشكل هامشي، فإن السياسة المتعلقة بالاحتياطي النفطي الاستراتيجي تتضاءل مقارنة بسوق مبتلاة بفيروس كورونا، وهو أثر يقاس بالشهور مقارنة بحرب أسعار من المتوقع أن تستمر لعدة فصول أو أكثر".
وأوضح تران أن مخزونات الاحتياطي النفطي الاستراتيجي تبلغ 634 مليون برميل، وهو ما يقل بنحو 80 مليون برميل فقط عن الطاقة الاستيعابية التي تبلغ 714 مليون برميل، وعمليات الشراء من الحكومة لن تسحب سوى فائض عالمي لمدة نحو 20 يوما وهو ما تقدره "آر.بي.سي" بأنه يبلغ أربعة ملايين برميل يوميا.
وخفض المركزي الأمريكي النطاق المستهدف لأسعار الفائدة إلى قرب الصفر يوم الأحد في ثاني عملية خفض طارئة هذا الشهر، وأضاف أنه "سيرفع ميزانيته بمقدار 700 مليار دولار على الأقل في الأسابيع المقبلة، في محاولة لتهدئة التوتر في الأسواق المالية".
وتعرضت أسعار النفط لضغوط هائلة على جانبي الطلب والعرض، إذ أثرت مخاوف انتشار وباء كورونا سلبا في الطلب، بينما تفاقمت مخاوف زيادة الإمدادات بعد أن رفعت السعودية إنتاجها وخفضت الأسعار لزيادة المبيعات لآسيا وأوروبا.
جاء ذلك بعد أن أخفقت "أوبك" وروسيا هذا الشهر في تمديد اتفاق لخفض الإنتاج كان يدعم الأسعار منذ 2016.
من جانب آخر ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 34.13 دولار للبرميل الجمعة مقابل 33.25 دولار للبرميل فى اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الإثنين "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق وإن السلة خسرت نحو 14 دولارا مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 48.33 دولار للبرميل".

الأكثر قراءة