Author

الاقتصاد الدولي بعد «كورونا»

|

تعاملت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بحكمة شديدة مع مجريات تطورات فيروس كورونا، ولا شك أن أهم القرارات التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة هي سلسلة قرارات احترازية مهمة، بعد أن تناقلت وسائل الإعلام أخبارا عن تحرك "الفيروس" في مناطق مختلفة من العالم، وبالذات في إيران وفي بعض دول الخليج العربي، وكانت وزارة الصحة قد بدأت بالإعلان عن وجود 11 حالة، ثم 15 حالة أخرى، وما زالت تعلن عن عدد الحالات أولا بأول، وتم وضع كل المصابين في الحجر الصحي، وباشرت الوزارة مسؤولية علاج المرضى، ومن القرارات المهمة التي أصدرتها الحكومة قرار تعليق الدراسة في المدارس السعودية لمدة أسبوعين تبدأ من الإثنين 9 آذار (مارس)، وكذلك تعليق الدخول والخروج إلى محافظة القطيف بصورة مؤقتة، لأن الحالات الـ11 جاءت من إيران وجميعهم من سكان القطيف.
والواقع أن انفجار الوباء في الصين، ثم انتشاره في جميع أنحاء العالم يكلف الاقتصاد الدولي - بحسب تقرير أصدرته أخيرا إحدى الشركات المالية المتخصصة في إدارة الأصول والاستثمارات المالية - فاتورة باهظة الثمن، لأن مساهمة الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي مساهمة عالية جدا ومؤثرة جدا في مجمل الاقتصاد العالمي.
إن وضع الاقتصاد العالمي بعد انفجار أزمة "كورونا" أصبح سيئا ومنذرا بالدخول في أزمة اقتصادية مؤسفة، ولا سيما أن الجانب الروسي قرر أن يتخذ طريقا معارضا لسياسة خفض إنتاج النفط، وهو الطريق الذي قررت "أوبك" اتخاذه بسبب زيادة المعروض من النفط في الأسواق العالمية واحتمال انخفاض الأسعار والدخول في أزمة فوضى في الأسعار.
ونذكر - على سبيل المثال - أن حصة الصين في مكونات الاقتصاد الدولي ارتفعت من 8 في المائة في عام 2003 إلى 20 في المائة في عام 2019، كذلك ارتفعت حصة الصين في معدلات التجارة الدولية من 5 في المائة في عام 2003 إلى 13 في المائة في عام 2019، أهم من هذا ارتفعت حصتها من الطلب العالمي على النفط من 6 في المائة إلى 13 في المائة للفترة نفسها، كذلك فإن الشركات الصينية دخلت السوق السعودية بقوة، وتعاقدت على تنفيذ كثير من مشاريع رؤية السعودية 2030، وبسبب زيادة المصالح أصبح للسياحة الصينية دور ملموس في زيادة معدلات السياحة إلى المملكة.
حتى الآن فقد أدى انتشار فيروس كورونا من الصين وإلى جميع دول العالم إلى تراجع سعر خام برنت بنسبة 21 في المائة تقريبا، كما أن 17 في المائة من صادرات السعودية تتجه إلى الصين، ويمثل النفط الخام ومشتقاته ما نسبته 66 في المائة من إجمالي صادرات السعودية إلى الصين، في حين تمثل الصادرات البتروكيمائية والهيدروكربونية ما نسبته 32 في المائة.
ولذلك تأتي مع الأسف كارثة فيروس كورونا في وقت ليس بالجيد على سوق النفط، حيث يتزايد المعروض من النفط، ويشهد المعروض من "أوبك" زيادة تقدر بنحو 32,21 مليون برميل في 2016 إلى 29,85 مليون برميل بنهاية 2019 مقابل ارتفاع المعروض من الدول خارج "أوبك" بمقدار عشرة ملايين برميل خلال الأعوام السبعة الماضية، ولا شك أن موقف الرئيس الروسي بوتين موقف لا يساعد على حماية أسعار البترول من الانهيار وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق العالمية.
وقد أدت زيادة المعروض، وتراجع إنتاج "أوبك"، مع تباطؤ ملحوظ في نمو الطلب العالمي على النفط، وكذلك انفجار كارثة "كورونا"، إلى اضطرار منظمة "أوبك" إلى خفض توقعات نمو الطلب على النفط من 1,22 مليون برميل إلى 0,99 مليون برميل يوميا لعام 2020، ليس هذا فحسب، بل تتوقع "جي بي مورجان" انخفاضه إلى 0,87 مليون برميل يوميا، يضاف إلى ذلك أن قطاع البتروكيماويات دخل الأزمة الاقتصادية، بسبب انفجار فيروس كورونا وتمدده في كثير من دول العالم، وتستحوذ الصين على حصة كبيرة من استيراد البتروكيماويات، وكذلك الدول الآسيوية الأخرى التي سيطولها تأثير فيروس كورونا.
أكثر من هذا فإن أسواق المال في كل أنحاء العالم تتعرض لانخفاضات غير عادية وتحقق خسائر باهظة، حيث سجلت الأسواق واحدة من أسوأ الجلسات في تاريخها بالتزامن مع هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ولكن من حسن الحظ أن انتشار الفيروس في الدول الإسلامية ما زال محدودا في انتشاره، ما عدا في الدولة الإيرانية التي أصبحت بعد الصين الدولة الموبوءة بالفيروس والمصدرة له في كل منطقة الخليج العربي وما جاورها من دول عربية وإسلامية، والمؤسف أن حكومة الملالي سيست الوباء وأخذت ترسل مصابيها إلى دول الخليج العربي مثل الكويت، والبحرين، والإمارات، والمملكة، حيث ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحالات التي أصيبت بفيروس كورونا في محافظة القطيف وصلت من إيران ودخلت إيران بطرق غير شرعية.
إزاء كل هذه التطورات المزعجة اتخذت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عددا من التدابير الاحترازية العاجلة لمحاصرة انتشار الوباء، منها تعليق الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، إضافة إلى تعليق الدخول بالتأشيرات السياحية للقادمين من الدول التي ينتشر فيها فيروس كورونا، وكذلك تعليق الدخول مؤقتا لمحافظة القطيف، وتعليق الدراسة في المدارس والكليات والجامعات حتى إشعار آخر.
ولكن ما يبعث على الأمل أن الأخبار التي بدأت تصدر من الصين تشير إلى أن معدلات الإصابة بالفيروس في الصين انخفضت إلى حد كبير، والمأمول أن الدول التي تعاني تفشي الفيروس بين ظهرانيها مثل إيران وإيطاليا وألمانيا ستبدأ معدلات الإصابة فيها بالانخفاض، وسيشهد العالم قريبا مرحلة الخروج من أزمته الصحية التي ألحقت أضرارا كبيرة باقتصاداته العالمية. ويبقى السؤال المهم: كيف يواجه الاقتصاد الدولي أزمته التي خلفها فيروس كورونا دون أن يدفع مزيدا من الخسائر؟
لا شك أن الدول الكبرى صاحبة الاقتصادات الكبيرة، وبالذات الصين والولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى لعب دور رئيس للخروج بنتائج إيجابية تعيد للاقتصاد الدولي نشاطه وتخرجه من أزمة إذا ظلت تأخذ اتجاهات سلبية فإنها ستؤذي الجميع، وتعرض الاقتصاد الدولي لمزيد من الأتعاب والأزمات والخسائر.

إنشرها