Author

استمطار السحب والبحث العلمي

|


قبل أيام قليلة، وافق مجلس الوزراء السعودي على تطبيق برنامج "الاستمطار الصناعي" في المملكة، لزيادة معدل الهطول المطري بنسبة تصل إلى 20 في المائة عن المعدل الحالي الذي لا يتجاوز 100 ملم سنويا، خاصة أن المملكة من أكثر الدول حاجة إلى زيادة مخزونها المائي وتنمية مواردها المائية لمواجهة الطلب المتزايد نتيجة النمو السكاني والتنمية الزراعية والصناعية الكبيرة، البالغ نحو 24 مليار متر مكعب سنويا حسب تصريح وزارة البيئة والمياه والزراعة، وتتم تلبيته هذا الطلب من خلال تحلية مياه البحر التي تسهم بمقدار 2.7 مليار، وتوفير القدر الأكبر من خلال السحب من المياه الجوفية بمعدلات أكبر بكثير مما يمكن تعويضه من خلال الأمطار.
في ضوء ذلك، فإن المملكة في حاجة إلى تنويع مصادر المياه التي تعد عصب الحياة لاستدامة التنمية واستمرارها. فتطوير تقنيات تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية مطلب وطني، إلى جانب استمطار السحب التي أحسن مجلس الوزراء صنعا بالموافقة على تطبيقه في المملكة.
وعملية استمطار السحب وتلقيحها ليست جديدة، فهناك محاولات وتجارب دولية كثيرة، بنسب متفاوتة من النجاح حسب التقنيات المستخدمة وطبيعة السحب في دول كثيرة مثل أمريكا وأستراليا وروسيا والصين وغيرها. وهذه ليس التجربة الأولى للمملكة، فقد بادرت المملكة منذ فترة طويلة بدراسة الاستمطار الصناعي في عام 1976، ثم إجراء تجربة أولى بالتعاون مع جامعة وايومنج الأمريكية في منطقة عسير، وبعدها توسعت التجارب إلى مناطق الرياض والقصيم وحائل خلال العقد الأول من هذا القرن الميلادي، علما أن أول عملية استمطار للسحب نفذت في ولاية لويزيانا في عام 1948. ويحضرني في هذا السياق صدور كتاب في عام 1989 هو إلى الخيال العلمي أقرب، يحمل عنوان "نظرية ابن طعيس النجدي للقضاء على الصحراء من الكرة الأرضية" لمؤلفه موسى طعيس النجدي، يصف كيفية القضاء على الصحاري بالتفصيل في 360 صفحة، ويقترح المؤلف بناء سلاسل جبلية شاهقة في شبه الجزيرة العربية وكافة أرجاء العالم، لتعمل هذه الجبال على مواجهة الرياح المحملة بالرطوبة، ورفعها لطبقات الجو الباردة التي تعمل على تكاثف بخار الماء، ومن ثم هطول الأمطار.
ولا شك أن فوائد تعديل الطقس واستمطار السحب كثيرة، منها: (1) زيادة الأمطار للحاجة الماسة إلى المياه في المناطق الجافة، ومن ثم زيادة المحاصيل الزراعية والإنتاج الزراعي. (2) إدارة الطقس لتقليل الأخطار الناتجة عن بعض الحالات المتطرفة لتقليل الضباب أو الحد من نزول البرد المدمر. (3) خدمة حركة الطيران للحيلولة دون تأخر إقلاع الطائرات أو هبوطها. (4) تنمية الموارد المائية وتغذية المياه الجوفية. ويقابل ذلك بعض السلبيات مثل: ارتفاع التكلفة، خاصة أنها تتطلب استخدام الطائرات علاوة على أن نتائجها غير مضمونة، إضافة إلى الأضرار البيئية المحتملة للمواد الكيماوية المستخدمة، على الرغم من عدم وجود دراسات تؤكد أضرارها بشكل قاطع. وتستخدم عدة طرق لاستمطار السحب، منها: رش مواد كيماوية مثل يود (أو يوديد) والفضة وكلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم وغيرها عن طريق الطائرات، أو عند طريق القاذفات الصاروخية التي تنطلق من الأرض إلى السحب، أو بوضع أجهزة فوق قمم الجبال المرتفعة المواجهة للرياح المحملة بالرطوبة لتقوم تلك الأجهزة بنثر المواد المحفزة للتكاثف.
ختاما، نظرا لأن المملكة من أكثر الدول حاجة إلى المياه، لطبيعتها الصحراوية شحيحة الأمطار، علاوة على نمو سكانها ونهضتها التنموية الكبيرة، فإنها من أكثر الدول حاجة إلى توجيه البحث العلمي نحو تنمية موارد المياه ومنها استمطار السحب، لتطوير تقنيات تلقيح السحب، وتحديد المواد والظروف المناخية التي ترفع احتمالية نجاحها في ظروف المملكة، وكذلك تحديد طبيعة الآثار البيئية المترتبة على تطبيق استمطار السحب. أقول ذلك وفي ذهني 28 جامعة حكومية منها أربع جامعات تنافس على مراكز متقدمة في البحث والابتكار على المستوى العالمي.

إنشرها