Author

الهدر الكهربائي .. بين وعي المواطن والمسؤولية العامة

|


على الرغم من التقدم الكبير في الحد من الهدر في استهلاك الكهرباء والماء وكذلك الوقود، الذي يسجل مخرجات إيجابية لـ"رؤية 2030"، فإن المشوار لا يزال طويلا لتحقيق كفاءة عالية في استهلاك المياه والكهرباء عموما والطاقة خصوصا. كثيرون لا يستشعرون أهمية ندرة المياه في البيئات الصحراوية، ويقومون باستهلاك كميات كبيرة من المياه في الزراعة أو تنظيف الأحواش أو غسل السيارات بطريقة فيها كثير من المبالغة واللامبالاة على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة البيئة والمياه والزراعة في مجال ترشيد استهلاك المياه. وكثيرون لا يستشعرون خطورة الهدر في استهلاك الكهرباء على البيئة والاقتصاد والوطني. والهدر في استهلاك الكهرباء لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يشمل المؤسسات العامة، خاصة بلديات في المدن والقرى، التي تهدر كثيرا من الكهرباء من خلال المبالغة في إنارة المرافق والشوارع عموما والمخططات السكنية غير المأهولة خصوصا، مع مبالغة في كمية الإضاءة التي لا مبرر لها، ما يتطلب وضع معايير لتحديد حجم استهلاك المدن من الطاقة في إنارة وتشغيل المرافق العامة. ونتيجة لضعف كفاءة استهلاك الطاقة يرتفع حجم الاستهلاك المحلي من النفط إلى نحو ثلث إنتاج المملكة، والأغلب منه يستخدم في توليد الكهرباء.
وللإنصاف، هناك جهود كثيرة في مجال ترشيد الاستهلاك تبذلها جهات متعددة مثل وزارة البيئة والمياه والكهرباء، وكذلك وزارة الطاقة، والمركز السعودي لكفاءة الطاقة، وهيئة المواصفات والمقاييس. لذلك ارتفع الوعي لدى الأسر، إذ تصل نسبة الأسر المهتمة بترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية ــ على سبيل المثال ــ إلى 55 في المائة، وذلك بناء على نتائج مسح الطاقة المنزلية لعام 2019. كما أن نسبة الأسر التي ترغب في استخدام الطاقة الشمسية في المسكن تصل إلى 52 في المائة، ولكن النسبة الفعلية التي تستخدم الطاقة الشمسية لا تتجاوز 1.5 في المائة من إجمالي الأسر. وهذه الإحصاءات تفيد بأن هناك مساحة واسعة لترشيد استهلاك الطاقة الأحفورية "النفط"، لتوفيره للتصدير، ومن ثم الاستفادة من عوائده في دعم المشاريع التنموية.
وبناء عليه، أقترح إطلاق برنامج وطني لتشجيع إنتاج الطاقة الشمسية على مستوى الأفراد والمؤسسات لما لها من فوائد اقتصادية وبيئية، ويمكن تحقيق نجاحات في هذا المجال من خلال دعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال، وتحفيز الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، إضافة إلى دعم استخدامات الطاقة الشمسية وتمكين الأسر من تصدير الفائض من الكهرباء للشبكات العامة، كما يحدث في بعض الدول. وعلاوة على ذلك، فإن هناك حاجة ماسة إلى إعداد استراتيجية شاملة للطاقة في المملكة لتحديد الأهداف الاستراتيجية ورسم خريطة الطريق أمام المستثمرين والمؤسسات الخاصة والعامة للاستثمار في هذا المجال الحيوي. ولزيادة كفاءة استخدام الطاقة، ينبغي التوسع في تشجيع الاستثمار في التقنية لزيادة الكفاءة في إنتاج الطاقة وكذلك في استهلاكها، مع ضرورة زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية في إنارة الطرق، ووضع معايير لاستهلاك المدن من الكهرباء في إنارة الطرق والمرافق العامة، تعتمد على عدد المباني السكنية والتجارية في كل مدينة لرصد التفاوت في استهلاك المدن، ومن ثم الحد من الهدر في استهلاك الكهرباء في إنارة الشوارع والطرق وتشغيل المرافق والمباني العامة.

إنشرها