Author

كوكب الأرض .. في «قمة الـعشرين»

|


ونحن نستعرض جدول أعمال الاجتماع التاريخي لمجموعة الـعشرين الذي سيعقد في المملكة، نلاحظ أن موضوع تلوث المناخ في كرتنا الأرضية من أهم العناوين التي سيناقشها المؤتمر، ووعدت المملكة في كلمة بليغة ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن موضوع تلوث المناخ سيكون من الموضوعات التي ستحظى باهتمام المؤتمر، وتشعر المملكة أن قضية تلوث المناخ في كوكب الأرض لم تعد من الموضوعات التي يمكن تجاهلها، بل أصبحت قضايا الحفاظ على بيئة نظيفة من أهم القضايا التي يجب أن تشغل الإنسان فوق كوكب يضم كل البشر.
إن قضايا البيئة والتلوث أضحت تقلق العلماء ومراكز الأبحاث في كل أنحاء العالم، بل أصبحت قضايا التلوث التي ألحقت أضرارا بالغة بصحة البشر والإضرار بالمحاصيل الزراعية وتغيير مناخ وجغرافية الأرض، تقلق الحكومات في العالم، ولا سيما بعد أن ظهر الاحتباس الحراري في مناطق عدة من الكرة الأرضية وأخذ يفتك بالبشر ويهدد حياتهم ومعاشهم.
ونؤكد أنه يكاد لا يمر يوم إلا ومراكز الأبحاث والدراسات تصدر التقارير المخيفة عن مستقبل الإنسان فوق كوكب الأرض، وبالأمس القريب تلقى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة تقريرا مفزعا، يقول إنه ليس أمام العالم إلا عام واحد للتحرك كي يمنع سلسلة من الانهيارات في منظومة التوازنات البيئية التي هي أساس بقاء الإنسان فوق كوكب الأرض. ويلمح التقرير إلى أن نصف الغابات التي كانت تكسو الكرة الأرضية لم يعد له وجود، وثلاثة آلاف مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون يسمم الجو سنويا، ومليارات من الأطنان هي كمية النفايات التي ينتجها الإنسان يوميا فوق كوكب الأرض، مع الزيادة المتطرفة في معدلات عدد السكان، حيث بلغت ستة مليارات نسمة في مطلع القرن الحالي، وسبعة مليارات اليوم، وينتظر أن تبلغ عشرة مليارات نسمة قبل حلول عام 2050، بينما 40 في المائة من سكان الأرض يعاني شح المياه العذبة!
وإذا استمر الإنسان في تخريب المنظومة البيئية، فإن الكرة الأرضية ستصل إلى مرحلة الرفض لكل ما يفعله الإنسان من تخريب وإهمال وتدمير للحياة الطبيعية فوق كوكب الأرض، وإزاء ذلك أصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرا يتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بمعدل ثلاث إلى أربع درجات في بعض الدول بحلول عام 2050، ما يشكل زيادة غير طبيعية لحرارة الأرض، وإذا حدث هذا - لا سمح الله - فإن الحرارة ستتسبب في حدوث آثار كارثية على البشرية جمعاء، منها ارتفاع منسوب مياه البحار بين 34 و52 سنتيمترا، ولا شك أن هذا التغيير السيئ في المناخ سيؤثر سلبا في الإنسان المكلف بعمارة الأرض، كما جاء في قرآننا الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسيترتب على ذلك انخفاض ملحوظ في معدل النمو الاقتصادي، حيث إن ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين فوق كوكب الأرض، سيؤدى بالضرورة إلى نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية، كما سيؤدى إلى ارتفاع قياسي في درجات الحرارة التي سينجم عنها موجات من الأعاصير المدمرة التي تهدد استمرار الحياة فوق كوكب الأرض.
ومما لا شك فيه، فإن هذه التغيرات في طبوغرافية الأرض وحرارتها، أدت وستؤدي إلى تغيير دراماتيكي في خريطة الأمراض المنتشرة فوق الكرة الأرضية، فبعد أن أصبح كثير من الأمراض الفتاكة من مخلفات الماضي، عادت هذه الأمراض لتفتك بالإنسان بشراسة أكبر وأفدح، ولم تعد أدوية المضادات الحيوية التي اكتشفها الإنسان - بعد جهد جهيد وأعوام طويلة وأموال كثيرة - قادرة على إيقاف زحفها نحو الإنسان، ونذكر على سبيل المثال أن فيروس كرونا، الذي اجتاح منطقة شبه الجزيرة العربية في الأعوام القليلة الماضية، لم ينجح الإنسان حتى الآن في اختراع اللقاح المضاد له.
وهذا كاف لإحداث اختلال في التوازن الطبيعي للكرة الأرضية، ما أدى إلى حدوث الكوارث الطبيعية المروعة، كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات، التي شهدتها خلال الأيام والأعوام القليلة الماضية تركيا وإندونيسيا وهاييتي وباكستان وروسيا واليابان، وغيرها من المناطق في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية.
الأخطر من ذلك، أن بعض العلماء تكررت تحذيراتهم من أن كوكب الأرض سيتعرض إلى انفجار أكبر بركان في العالم، وهو البركان النشط الموجود في منطقة بول ستون بارك في وسط أمريكا. ويؤكد الجيولوجيون الأمريكيون أن الحمم المنصهرة من هذا البركان كافية لتغطية أمريكا كلها بالحرائق، والخطر الأكبر هو وصول هذه الحرائق إلى مخزون السلاح النووي الأمريكي، الذي إذا وصلت - لا سمح الله - إليه، فإنه قادر على تدمير الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها.
ونلاحظ في هذه الأيام أن صناع السينما العالمية ينتجون أفلاما تصور نهاية العالم بافتراض سقوط كويكب من الفضاء الخارجي على كوكب الأرض، أو سقوط نيزك ماتيلدا على الأرض. كل الأفلام التي تعالج هذا النوع من القضايا تؤكد في النهاية أن الإنسان الذي لوث كوكب الأرض وألحق أضرارا بالغة بالبيئة، لم يعمل بجد لإنقاذ الأرض من الخراب الذي فتك بها.
إن المسؤولية تطول كل إنسان يعيش فوق كوكب الأرض وتطالبه من موقعه أن يرفق بالبيئة، وأن يكون من حماتها المسؤولين. بمعنى المطلوب من السياسيين أن يعملوا على إيقاف وإلغاء كل المشاريع المؤذية للبيئة، وأن يقروا كل المشاريع والبرامج التي تحافظ على بيئة نظيفة فوق كوكب الأرض، والمطلوب من المثقفين أن يضعوا البيئة النظيفة في مقدمة أعمالهم وأن يكتبوا باستمرار عن البيئة النظيفة، كذلك المطلوب من السينمائيين أن ينتجوا أفلاما تركز عناوينها على أهمية حماية كوكب الأرض من التلوث، ومطلوب من الصناعيين أن يستخدموا المواد النظيفة في مصانعهم، ومطلوب من مؤسسات التعليم أن تدرس للطلاب أهمية نشر الوعي البيئي في المجتمعات، ومطلوب من رجل الشارع العادي أن يحافظ على البيئة النظيفة ابتداء من بيته ومن عمله ومن الشارع الذي يسكنه، مطلوب من كل البشر، كل من موقعه أن يسهموا في بناء بيئة نظيفة فوق الكوكب الذي يضمنا ويحتضننا.

إنشرها