Author

جذور النباتات وتخزين الكربون

|


يعكف بعض العلماء على تجارب تنطوي على تقنية تعديل وراثي جديدة من شأنها أن تسمح "بالشحن الفائق" للنباتات لتعزيز خاصية تتميز بها النباتات بالفعل وهي قدرتها على امتصاص الكربون. وبينما يتسارع العالم لإيجاد حلول مبتكرة للتخفيف من آثار الكربون، كانت النباتات تواظب بكل هدوء على أداء وظيفتها التي تتقنها جيدا على مدى ملايين الأعوام، حيث تمتص الكربون من الجو وتحوله إلى كربوهيدرات وطاقة وأكسجين.
أظهرت دراسة حديثة قام بها أحد معاهد البحوث تقدما واعدا في مساعي هندسة نباتية حاصلة على براءة اختراع وتؤدي إلى نمو الجذور النباتية بدرجات أعمق، وتمكن هذه التقنية النباتات من تخزين الكربون 20 مرة أكثر من القدرة العادية للنباتات. ويعتقد الباحثون أن هذه النتائج يمكن تطبيقها في نهاية المطاف على المحاصيل ذات القيمة التجارية على نطاق واسع، ما يمكن أن يؤثر حقا في تغير المناخ.
ويقود معهد سولك للدراسات البيولوجية في كاليفورنيا جهود ما يطلق عليه مبادرة تسخير النباتات. ويتمثل هدف هذه المبادرة في هندسة النباتات لتحسينها حيث لا تصبح قادرة فحسب على تخزين مزيد من الكربون بل تصبح قادرة أيضا على إنتاج منتج زراعي يستفيد منه المزارعون ويصلح طعاما للبشر. وتاريخيا تم استخدام التعديل الوراثي للنباتات لاستهداف وتعزيز سمات محددة داخل النباتات، مثل حجم أو طعم الفاكهة أو مدى مقاومتها للآفات والأمراض. والآن يستهدف علماء الأحياء النباتية في معهد سولك هرمونات وجينات محددة تتحكم في الكتلة الحيوية للجذر وتزيدها.
منذ قرون أدرك المزارعون أن الجذور الأعمق تعمل على استقرار التربة وتجعل الأشجار والمحاصيل أكثر قدرة على مواجهة الرياح الشديدة والفيضانات والأعاصير وعوامل التعرية. كما تعزز الجذور العميقة القدرة على مقاومة الجفاف لأنها تسمح للنبات بالبحث عن احتياطيات مائية عميقة لم تجف بفعل الشمس لكن يصعب الوصول إليها. بينما في الآونة الأخيرة لفتت الجذور العميقة الأنظار والانتباه بسبب قدرتها على عزل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه وتثبيته.
ويتم تخزين الكربون الموجود في الجذور على هيئة كربوهيدرات معقدة لا يمكن تفكيكها بسهولة بواسطة ميكروبات التربة، وبالتالي يكون التخزين في الجذور أكثر ثباتا من التخزين في النباتات الموجودة فوق سطح الأرض، خاصة النباتات التي يتم حصادها أكثر من مرة.
وفي الواقع تعد الفكرة وراء الجذور العميقة فكرة منطقية للغاية، حيث تقوم الجذور العميقة بتخزين الكربون بعيدا عن المكان الذي نحاول إبعاده عنه والمتمثل في الغلاف الجوي.
وعلى الرغم من أن النباتات كانت وما زالت تحتفظ بالكربون، إلا أنها لم تعد قادرة -على الأقل ليس بشكل طبيعي- على مواكبة معدلات ضخ البشر له في الغلاف الجوي. وعلى الصعيد العالمي يضخ البشر 37 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام إلى الغلاف الجوي، ولا يمكن للنباتات احتجاز سوى نصف هذه الكمية.
ويوجد الجين المستهدف من هذه الأبحاث في جميع النباتات، لذا فإن هذه الأبحاث قابلة للتوسع بشكل كبير إذا طبقت على أفضل المحاصيل في العالم. وفي الواقع ينوي معهد سولك تطبيق نتائج هذه الأبحاث على الذرة وفول الصويا والأرز والقمح والقطن وبذور اللفت "الكانولا".
هناك كثير من الجدل المحيط بالكائنات المعدلة وراثيا، بما في ذلك آثارها الضارة المحتملة في صحة الإنسان والنظم البيئية وسبل عيش المزارعين. ومع ذلك يعتقد أنصار الكائنات المعدلة وراثيا أنها الحل لضمان توفير الطعام لسكان العالم المتنامية أعدادهم وزيادة المرونة في مواجهة بيئة سريعة التغير. وبالنسبة لمعهد سولك لا يمثل المعارضون لجهود هندسة الكائنات المعدلة وراثيا -مثل الاتحاد الأوروبي والهند- الهم الأكبر، حيث يواصل المعهد أبحاثه ويستقبل استثمارات بملايين الدولارات، ومن المتوقع أن ينفذ النتائج التي سيتوصل إليها قريبا في الأماكن التي لا يتم فيها حظر أنشطة هندسة الكائنات المعدلة وراثيا.
ومن أجل الوصول إلى هدفهم المتمثل في استخدام نباتات معهد سولك المعدلة وراثيا لتخزين نصف الكربون الذي ينتجه البشر كل عام، يدعي الباحثون أنهم سيحتاجون إلى زرع نباتاتهم الحاصلة على براءة اختراع في 6 في المائة من الأراضي الزراعية المنتجة في العالم. وعلى الرغم من وجود طرق طبيعية للتكاثر المتبادل قد تؤدي إلى نتائج مماثلة، إلا أن ذلك سيستغرق وقتا أطول بكثير في حين أنه ليس لدينا ما يكفي من الوقت.
وتتضمن الدراسة التي نشرها معهد سولك أخيرا اكتشافات جديدة واعدة، لكنها لا تزال غير جاهزة لتقديم منتج صالح للاستخدام والوقت ينفد. ويتفق خبراء البيئة على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة للتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة، لذلك كان أفضل وقت لبدء زراعة تلك النباتات المثالية الحاصلة على براءة اختراع التي لم يتم الانتهاء من تصميمها بعد هو منذ أعوام مضت.

إنشرها