Author

الصناعة ترياق البطالة «2»

|


عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن "رؤية المملكة الطموحة 2030" اهتمت بشكل كبير بالمحتوى المحلي وتوطين الصناعة، حيث تهدف"الرؤية" إلى تنويع مصادر الدخل من خلال برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، ورفع صادرات المملكة الصناعية إلى 460 مليارا بحلول عام 2030. أن تكون الصناعة إحدى ركائز "الرؤية" المهمة، وأن يتم فصلها عن وزارة الطاقة لتعزيز الاهتمام بها والتركيز عليها، لهو دليل جلي على الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع التي ستنعكس إيجابا بإذن الله على الاقتصاد وتحقيق أهداف "الرؤية"، ومنها التحرر من النفط برفع الصادرات غير النفطية من 16 إلى 50 في المائة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
ذكرت أن الصناعة هي الباب الكبير لتقدم الأمم، به تنهض وبه تسود، وهي مقياس التطور الحقيقي الذي ينعكس إيجابا على اقتصادات الدول وتنميتها وتمكين كوادرها الوطنية. الشركات الصغيرة والناشئة هي القلب النابض لهذا القطاع، وتلعب دورا بالغ الأهمية في التنمية الاقتصادية، لكنها تواجه بعض العقبات التي سأسلط الضوء على أهمها من وجهة نظر شخصية وكلي تفاؤل أن يتم تجاوزها بإذن الله بوجود وزير خرج من رحم هذا القطاع وله خبرة طويلة وعميقة فيه، غاص في بحاره وعرف خفاياه وأسراره. أرى أن من الأجدى تقسيم العقبات التي تواجه المشاريع الصناعية ونجاحها إلى قسمين، عقبات داخلية تتمحور حول فكرة المشروع وجدواه، وعقبات خارجية ناتجة عن الأنظمة والتشريعات والوضع الاقتصادي العام.
إعداد دراسة الجدوى لأي مشروع مطلب مهم وضروري لتقييم المشروع وجدواه الاقتصادية قبل البدء فيه، ولا يعتريني شك أبدا أن هناك من أنشأ مصنعا دون إعداده قبل اتخاذ القرار بالمضي قدما، لكن هناك بعض الأخطاء التي قد يقع فيها البعض ما ينعكس سلبا على المشروع ويهدد ديمومته. يعتمد البعض على الجهات المختصة بعمل دراسات جدوى اعتمادا كليا، وهذا من وجهة نظري خطأ جوهري سيؤثر بلا شك في نتائج الدراسة ودقة مخرجاتها. لا أقصد هنا الإسقاط أو التشكيك في احترافية هذه الجهات، لكن من الضروري جدا أن يشترك صاحب الفكرة في إعداد الدراسة خصوصا الجانبين الفني والسوقي. صاحب الفكرة لا بد من إلمامه بجميع الأمور الفنية المتعلقة بمنتجه على سبيل المثال لا الحصر أسعار وجودة خطوط الإنتاج المستهدفة في المشروع والقدرة على إنشائها، وتوافر المواد الخام وآلية الحصول عليها وضمان عدم انقطاعها، والقدرة على التشغيل وهل يتطلب ذلك نقلا للمعرفة لفترة معينة من جهات خارجية لها خبرة في هذا المجال حتى يتم تمكين وإحلال الكوادر التي تم توظيفها لهذا الغرض؟ وغير ذلك من الأمور الفنية التي لا يتسع المقال لذكرها. صاحب الفكرة لا بد أن يشارك في المسح الميداني لاكتشاف السوق وزيارة العملاء المحتملين والمستهدفين للمنتج محل الدراسة وتقييم إمكانية شرائهم المنتج وحاجتهم إليه، إضافة إلى معرفة المنافسين القائمين وأسعارهم والحصة السوقية المتوقع الحصول عليها. دراسة الجدوى من المفترض أن تكون متحفظة جدا بل متشائمة لاتخاذ قرار صائب بإذن الله للمضي في تنفيذ المشروع من عدمه، مع أهمية وجود رأسمال احتياطي لمواجهة الظروف الطارئة وغير التقليدية في حال الاستمرار.

إنشرها