Author

بئر النفط تمرض وتموت «2»

|


عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق من هذه السلسلة أنه عند حفر بئر النفط ودخولها حيز الإنتاج التي من الممكن أن نسميها مجازا مرحلة "الولادة"، تصدر من المهندس المسؤول شهادة ميلاد لتلكم البئر التي تحتوي على معلومات تفصيلية بالمعلومات الجيولوجية والهندسية ونوع معدات التنظيم والحماية والإنتاج المستخدم التي يعتمد عليها كمرجع طيلة عمر هذه البئر.
ذكرت أن هناك لبسا يقع فيه البعض، وهو التفرقة بين عمق القياس للبئر وبين العمق الحقيقي له حيث إن العمق الحقيقي هو المسافة بين فوهة البئر وبين أعمق نقطة عمودية في باطن الأرض، أما عمق القياس فهو المسافة الكلية من فوهة البئر وحتى آخر نقطة يصل إليها "رأس الحفار".
قبل الحديث عن حياة بئر النفط منذ ولادتها "بدء الإنتاج" وحتى وفاتها "توقف الإنتاج" وهي محور هذا المقال، عرجت بإيجاز على الإرهاصات والمؤشرات التي تسبق ولادتها، والعمليات الهندسية الكثيرة والمتنوعة بدءا من مراحل التنقيب والاستكشاف بدراسة الجيولوجيا الأولية لسطح الأرض في المناطق المحددة للتنقيب، مرورا باستخدام التقنيات المتطورة لمعرفة طبيعة وأنواع الصخور للوصول إلى مؤشرات أقوى بوجود النفط في مكامنه في باطن الأرض كاستخدام تقنية الموجات الصوتية "السايزميك" لدراسة الطبقات التي يحتمل وجود مكامن النفط فيها، حتى الوصول إلى القول الفصل بحفر بئر تجريبية للتأكد من وجود النفط، ولمعرفة الجدوى الاقتصادية لاستخراجه. إن تحقق ما سبقت الإشارة إليه من وجود النفط والجدوى الاقتصادية، تخرج من رحم هذا الحقل النفطي آبار كثيرة ومن هنا تبدأ حياة البئر بين استقرار في الإنتاج ووعكات فنية تؤثر في صحتها الإنتاجية. هناك مؤشرات وأعراض لبئر النفط تعكس صحتها الإنتاجية واستقرارها، فارتفاع الضغط للمكمن النفطي من أهم المؤشرات الإيجابية لآبار النفط، حيث إن درجة ارتفاع ضغط المكمن تحدد طبيعة استخراج النفط أو ما يسمى "عملية الرفع".
هناك نوعان للرفع أحدهما "الرفع الطبيعي" ويسمى الآخر "الرفع الصناعي"، فعندما يكون ضغط المكمن النفطي مرتفعا وأعلى من الضغط الخارجي، ينساب النفط تلقائيا من مكامنه وعبر أنابيب الإنتاج وصولا إلى سطح البئر، والانسياب والجريان يعتمدان على عوامل كثيرة منها درجة اللزوجة على سبيل المثال لا الحصر. الرفع الصناعي هو استخدام مضخات خاصة لها أنواع كثيرة وخصائص مختلفة لتناسب طبيعة البئر التي تختلف من مكمن إلى آخر، حيث تستخدم هذه المضخات لسحب النفط من مكامنه وهو بلا شك -وأعني هنا الرفع الصناعي- مكلف أكثر من الرفع الطبيعي وأكثر تعقيدا. عندما ينخفض الإنتاج وهو ما يعد توعكا لصحة البئر الفنية، فلابد هنا من التدخل لتعود البئر إلى حالتها الأولى أو بحالة أفضل على أقل تقدير.
رفع كفاءة الإنتاج بحر كبير مترامي الأطراف وله طرق كثيرة وتطبيقات مختلفة لا يمكن حصرها في هذا المقال، ولعلي أخصص سلسلة من المقالات عن هذا الموضوع المهم والأساس في صناعة النفط والغاز عموما، وصناعة المنبع على وجه الخصوص. من هذه الطرق على سبيل المثال: الحقن بالماء وبعض أنواع الغازات في بئر موازية لبئر الإنتاج، والحقن بالبخار لتخفيف اللزوجة، والحرق الموضعي. سأتناولها بشيء من التفصيل لاحقا بإذن الله تعالى.

إنشرها