Author

الأسواق العالمية .. ارتباك وخوف من النتائج

|


الأسباب كثيرة في حالة الإرباك التي تعيشها الأسواق العالمية. وفي الأيام الماضية، تعرضت بالفعل لتراجعات مخيفة، وإن تحسن الأداء بعض الشيء هنا وهناك، إلا أن التهديدات بمواصلة التراجع، بل الوصول إلى مستويات دنيا ما زالت باقية. هذه التهديدات تأخذ أشكالا مختلفة، الأمر الذي تسبب في قلق شديد ومتعاظم حول الاقتصاد العالمي كله. ولم تتوقف الجهات الدولية المختصة عن إطلاق التحذيرات حول النمو العالمي، وارتفاع حجم الديون السيادية بصورة خطيرة للغاية، وعدم وضوح الرؤية "حقا" حول مستقبل الاقتصادات في البلدان المتقدمة، مع أزمات سياسية "وأحيانا دستورية" تظهر في الدولة هذه أو تلك. وسط هذه الأجواء، كان طبيعيا أن تتراجع الأسواق العالمية، وتبقى تحت ظل التهديدات المختلفة.
لكن على رأس هذه التهديدات، تظل الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب المعارك التجارية الأخرى بين الجانب الأمريكي وعدد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية الأخرى. دون أن ننسى التوترات الجيوسياسية على بعض من الساحة العالمية. وهناك عديد من الأسباب أيضا، كالانكماش الأخير للاقتصاد الألماني، والفوضى السياسية والاقتصادية المرعبة في عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب التوتر الذي يأخذ أشكالا خطيرة شيئا فشيئا في هونج كونج، ونتائج الانتخابات الأخيرة في الأرجنتين. وفي هذه الأخيرة، تعرضت سوقها المالية إلى شبه انهيار قبل يومين، ما دفع السلطات هناك، إلى التأكيد بكل الوسائل الممكنة أن الأوضاع الاقتصادية تحت السيطرة. علما، بأن أحدا لا يستطيع دعم هذه التأكيدات.
في الفترة الأخيرة، لجأ المستثمرون في أغلبية الدول، إلى الملاذات الآمنة. وهذا طبيعي أيضا في مثل هذه الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي. لهذا السبب، حقق الذهب "مثلا" مكاسب كبيرة في العام الجاري، فاقت كل المكاسب التي حققتها الأسواق العالمية الرئيسة الأخرى، كما تلقت المعادن "بشكل عام" دفعات قوية في هذا المجال. واللجوء إلى الذهب والمعادن، يؤكد - ببساطة - حالة عدم اليقين العالمية، ويعزز مخاوف المؤسسات الكبرى، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، من أن الاقتصاد العالمي لا يتباطأ فقط، بل ربما يسير نحو ركود مخيف. هذا الركود الذي "إن أتى بالفعل"، سيكون بعد أشهر فقط من إعلان انتهاء التبعات الخطيرة للأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008.
لم تنجُ سوق رئيسة في العالم من التراجعات الكبيرة التي حدثت قبل يومين، بما في ذلك الأسواق الخليجية التي تأثرت - كغيرها - بالنتائج الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي والصين، وانعكاس وتيرة عوائد السندات الأمريكية، إضافة إلى مخاوف الركود العالمي. العالم الآن دخل أزمة حقيقية، ليست في مستوى أزمة 2008، لكنها مشكلة تحدث في ظل تخبط سياسي عالمي في دول محورية، إلى جانب التشنج في مواقف حكومات بعينها حيال المشكلات الاقتصادية. وبصرف النظر عن تفاوت تراجع الأسواق المالية هنا وهناك، إلا أنه هبوط لا يتم التعاطي معه على أنه عابر. ففي الخلفية أزمات ومشكلات متعددة، لا يبدو أنها قابلة للحلول في الفترة القصير المقبلة. من هنا، يستعد كثيرون إلى تطورات مخيفة في المرحلة المقبلة، قد ترقى في وقت لاحق إلى مستوى أزمة متوسطة، ربما تقود إلى أزمة كبرى أخرى.

إنشرها