ضعف التجارة العالمية وأنماط الإنفاق

تنعكس أنماط الإنفاق على التجارة العالمية التي تتسم على الأغلب بكثافة تداول السلع الاستثمارية والسلع الاستهلاكية المعمرة. وانخفض نمو حجم التجارة إلى نحو 0.5 في المائة في الربع الأول من 2019 على أساس سنوي مقارن بعد هبوطه إلى أقل من 2 في المائة في الربع الرابع من 2018. وكان تباطؤ النشاط ملحوظا بصفة خاصة في آسيا الصاعدة.
ويؤدي ضعف الآفاق المتوقعة للتجارة بدوره إلى توليد تأثيرات معاكسة للاستثمار- ترجع إلى التوترات التجارية إلى حد ما. وعلى سبيل المثال، تنم حالة مزاج الأعمال ومسوح مديري المشتريات عن ضعف الآفاق المتوقعة للصناعة التحويلية والتجارة، بينما هناك نظرات متشائمة بصفة خاصة تجاه الطلبات الجديدة. ولا يزال بصيص الأمل نابعا من أداء قطاع الخدمات، حيث ظل المزاج صلبا نسبيا، ما دعم نمو الوظائف وساعد بدوره على زيادة ثقة المستهلك.
اتساقا مع ضعف نمو الطلب النهائي، تراجع التضخم الأساسي على مستوى الاقتصادات المتقدمة إلى دون المستوى المستهدف، في الولايات المتحدة مثلا، أو ظل أقل منه بكثير منطقة اليورو واليابان. كذلك استمر هبوط التضخم الأساسي إلى دون مستوى المتوسطات التاريخية في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فيما عدا حالات قليلة مثل الأرجنتين وتركيا وفنزويلا.
وبينما يظل النشاط العالمي ضعيفا بوجه عام، لا يزال تأثير العرض مهيمنا على تحركات أسعار السلع الأولية، وخاصة في حالة أسعار النفط التي تتأثر بالصراعات الأهلية في فنزويلا وليبيا والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران. وبرغم الارتفاع الكبير في أسعار النفط حتى نهاية أبريل وزيادة التعريفات على الواردات في بعص البلدان، فقد تراجعت ضغوط التكاليف انعكاسا لنمو الأجور الذي لا يزال ضعيفا في كثير من الاقتصادات حتى مع استمرار ضيق الأوضاع في أسواق العمل. وبالتالي، ظل التضخم الكلي ضعيفا في معظم الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة. وكان لهذه التطورات مساهمة جزئية في حدوث انخفاض حاد في التسعير السوقي للتضخم المتوقع في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
كان للإجراءات والخطوات غير المدروسة على مستوى السياسات دور مهم في تشكيل هذه النتائج، وذلك من خلال قنوات ليس أقلها التأثير في مزاج السوق وثقة الأعمال. وبينما أرجئ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مبدئيا لبعض الوقت على أثر إعلان تمديد المهلة ستة أشهر أخرى في مطلع أبريل، أدى تصاعد التوترات التجارية في مايو، والمخاوف من اضطراب سلاسل عرض التكنولوجيا والتوترات الجغرافية - السياسية، كالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران على سبيل المثال، إلى تقويض ثقة السوق.
ويبدو أن مزاج المستثمرين بالنسبة لتحمل المخاطر قد عاد إلى سابق عهده إلى حد ما، يدعمه التواصل من البنوك المركزية وإشارتها إلى احتمال استمرار السياسة التيسيرية. وعقب انعقاد قمة مجموعة العشرين، حينما اتفقت الولايات المتحدة والصين على استئناف المحادثات التجارية وتجنب مواصلة زيادة التعريفات الجمركية، تحسن مزاج السوق في ظل احتمالات استمرار تقدم الجانبين نحو تسوية الخلافات بينهما. وقد أصبحت الأوضاع المالية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو الآن أيسر مما كانت عليه وقت صدور عدد أبريل من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، بينما ظلت دون تغيير يذكر في المناطق الأخرى.
من المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.2 في المائة في 2019 ثم يتحسن ليصل إلى 3.5 في المائة في 2020 أقل بمقدار 0.1 نقطة مئوية للعامين مقارنة بالتنبؤات في عدد أبريل 2019 من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي". وعلى صعيد التجارة، تعكس التنبؤات قيام الولايات المتحدة في مايو 2019 بزيادة التعريفات الجمركية على وارداتها من الصين بقيمة 200 مليار دولار من 10 في المائة إلى 25 في المائة، والإجراءات الانتقامية التي اتخذتها الصين. ويتسق تخفيض التنبؤات بشأن النمو في الصين وآسيا الصاعدة بوجه عام مع نتيجة عملية محاكاة تأثير اشتداد حدة التوترات التجارية والآثار المصاحبة لها على الثقة التي يناقشها إطار السيناريو 1 في عدد أكتوبر 2018 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
ويعتمد التحسن المتوقع للنمو العالمي في 2020 بشكل كبير على عدة عوامل: (1) أن يظل مزاج الأسواق المالية داعما بوجه عام، و(2) استمرار تلاشي الأعباء المؤقتة، ولا سيما في منطقة اليورو، و(3) تحقيق الاستقرار في بعض اقتصادات الأسواق الصاعدة التي تعاني الضغوط، مثل الأرجنتين وتركيا، و(4) تجنب حدوث انهيار أشد حدة في اقتصادات أخرى، مثل إيران وفنزويلا. وتسهم توقعات الاستقرار أو التعافي في الاقتصادات الخاضعة لضغوط بنحو 70 في المائة من ارتفاع تنبؤات النمو العالمي في 2020 مقارنة بعام 2019. وتقوم هذه العوامل بدورها على خلفية من السياسات العالمية الداعمة التي تضمن عدم التأثير سلبا في ميل البنوك المركزية إلى التيسير أو في تراكم الإجراءات التنشيطية التي تتخذها السياسات في الصين جراء تصاعد التوترات التجارية أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على نحو غير منظم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي