تمهيد الطريق لتحقيق التنمية «2 من 2»

هناك جيل جديد من السياسات المالية العامة سيكون له دور رئيس في تحول الصين إلى النمو الأكثر توازنا، واحتواء جميع شرائح السكان، وأكثر مراعاة للبيئة.
تحقيق توازن الموازنة: للحد من عجز المالية العامة واحتواء الدين العام. بدأت الصين أخيرا تنفيذ إصلاحات رئيسة في نظم الضرائب والنفقات والتسعير والضمان الاجتماعي. وأصبح من الضروري الانتقال من نظام الخطة الخمسية الحالي لإعداد الموازنة إلى نظام إعداد الموازنة على أساس متوسط الأجل وفقا لما يقترحه قانون الموازنة الجديد في الصين الذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني (يناير) ما يسمح بتحسين إدارة سياسة المالية العامة على مدار الدورة الاقتصادية، ومراعاة موارد الحكومات المحلية، وإتاحة درجة أكبر من الشفافية على مستوى المالية العامة. وينبغي أن تسعى الإصلاحات الضريبية المستقبلية لخفض التفاوت في الدخل مع إتاحة قاعدة ضريبية أوسع نطاقا للحكومات المحلية ورفع كفاءة تحصيل الإيرادات.
ومن شأن إصلاح جدول ضريبة الدخل الشخصي أن يسهم في إعادة توزيع الدخل، بينما يساعد الإصلاح الجاري لإحلال ضريبة القيمة المضافة محل ضريبة الأعمال على زيادة تصاعدية الضرائب الكلية. ومن شأن توسيع نطاق ضريبة الملكية السنوية في جميع أنحاء البلاد أن يساعد على تمويل خدمات الحكومات المحلية والحد من عدم المساواة. وعلى جانب الإنفاق، فإن هناك متسعا لتعزيز الإنصاف والاستمرارية في نظام الضمان الاجتماعي للتصدي لانعدام المساواة الاجتماعية المتنامي. وعلى وجه التحديد، هناك أهمية بالغة لتوحيد نظام معاشات التقاعد بالنسبة للمتقاعدين بنظام الرواتب ودون رواتب وتيسير حرية الانتقال بين نظم التقاعد المختلفة.
التسعير الصحيح للمنتجات: يمثل نظام الضرائب الفعال على منتجات الطاقة عاملا ضروريا في تحقيق النمو الداعم للبيئة. فيتعين أن يكون سعر منتجات الوقود الأحفوري معبرا عن مدى إسهاماتها في التلوث البيئي حتى يمكن للنمو أن يمضي على مسار بيئي قابل للاستمرار. فالضرائب على منتجات الطاقة هي امتداد مباشر للضرائب على البنزين. ويمكن تطبيق رسوم الكربون حسب نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل من منتجات الوقود. ويمكن تحديد رسوم تلوث الهواء المحلي على استخدام الفحم، مع منح خسم لاعتماد تكنولوجيات للسيطرة على الانبعاثات والمرتبطة مباشرة بانبعاثات المداخن. وينبغي أن تكون ضرائب البنزين معبرة بشكل مباشر عن كل الآثار الجانبية السلبية الناجمة عن استخدام السيارات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتلوث الهواء المحلي، والاختناقات المرورية، والحوادث، وتهالك الطرق. ومن شأن إجراء إصلاح ضريبي شامل لمنتجات الطاقة أن يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 26 في المائة والحد من الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء نتيجة استخدام الوقود الأحفوري بنسبة 60 في المائة، مع زيادة الإيرادات بنحو 9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ضمان كفاءة استخدام أصول الدولة: يمثل إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة عنصرا رئيسا في إعطاء السوق دورا أكثر حسما في الاقتصاد وإطلاق عنان مصادر النمو الجديدة. ويمكن تحقيق تكافؤ الفرص بين المؤسسات المملوكة للدولة وغيرها من الشركات بزيادة حصة أرباحها التي يتم توجيهها للموازنة الحكومية، ما يؤدي إلى إلغاء الدعم الحكومي، وتعزيز الحوكمة، ورفع مستوى التوجه التجاري لهذه المؤسسات. وفي نهاية المطاف، لا بد أن ينطوي مثل هذا الإصلاح أيضا على زيادة القدرة على تحمل إفلاس المؤسسات المملوكة للدولة أو خروجها من النشاط وانكشافها بالكامل للمنافسة مع الشركات الخاصة. ويمكن لهذه الإصلاحات إعطاء دفعة كبيرة للإنتاجية وتوفير الملايين من فرص العمل.
إعادة توازن الاقتصاد: إعادة التوازن أحد العناصر الحيوية في سبيل تحول الصين إلى نموذج جديد للنمو. فقد أدت الزيادة الكبيرة في الاستثمار في الآونة الأخيرة، المدفوعة إلى حد كبير بإنفاق القطاع العام، إلى انخفاض كفاءة الإنفاق الرأسمالي، وإحباط النمو، وزيادة الدين. ومن شأن التشجيع على حدوث تحول في الطلب نحو الاستهلاك وبعيدا عن الادخار، واقترانه بزيادة إنتاجية الاستثمار الخاص، أن يجعل النمو أكثر قدرة على الاستمرار.
ومن أهم الأولويات في هذا الشأن إصلاح شبكة الأمان الاجتماعي وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم. فالإنفاق الاجتماعي في الصين، وقدره 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، يمثل النصف تقريبا مما تنفقه البلدان مرتفعة الدخل من الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومن ثم فإن هناك متسعا كبيرا لإنفاق مزيد على الصحة والتعليم وشبكة الأمان الاجتماعي. وتتسم إسهامات الضمان الاجتماعي في الصين بارتفاعها وطابعها التنازلي، فإسهامات الضمان الاجتماعي الإلزامية في مزايا التقاعد، والتأمين الصحي، والبطالة، وإصابات العمل، والأمومة تشكل مجتمعة أكثر من 40 في المائة من الأجور. وسيساعد تعزيز نظام الضمان الاجتماعي في الصين على تخفيض مستوى الادخار الوقائي في قطاع الأسر، بينما سيسهم تخفيض الإسهامات الاجتماعية في الحد من عدم المساواة.
وأحرزت الصين على مدار ثلاثة عقود ونصف العقد الماضية نجاحا ملحوظا نحو تحقيق النمو الاقتصادي السريع والحد من الفقر. وقامت سياسة المالية العامة بدور رئيس في هذا الإنجاز. وهناك حاجة إلى جيل جديد من إصلاحات السياسة المالية العامة لتوفير الحماية لإنجازات الماضي ووضع الأساس للتحسينات المستمرة في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي