المشراق

المياه عند العرب قديما .. أطيبها ذكرا «زمزم» وأسوأها انهيار سد مأرب

المياه عند العرب قديما .. أطيبها ذكرا «زمزم» وأسوأها انهيار سد مأرب

المياه عند العرب قديما .. أطيبها ذكرا «زمزم» وأسوأها انهيار سد مأرب

المياه عند العرب قديما .. أطيبها ذكرا «زمزم» وأسوأها انهيار سد مأرب

يقال عن الماء إنه "أهون موجود وأعز مفقود"، لكن كثيرا من العقلاء يعرفون قيمة الماء جيدا، ويحافظون عليه، وهذا واجب البشرية جمعاء، فالكل يعرف أهمية الماء وقيمته على الرغم من إسراف كثيرين وعدم مبالاتهم بالماء، الماء الذي قال فيه جل من قائل "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
ازداد عدد البشرية في العقود الأخيرة زيادة لم تعرف من قبل، وهذا ما جعل استهلاك الماء يتضاعف، وقد تنبه بعض العلماء والمفكرين لهذا الأمر، وتوجسوا مما يضمره لنا المستقبل. وذهب بعضهم إلى أن الحروب المقبلة ستنشب بسبب الماء، وصدرت في هذا الموضوع عدة كتب.
صدرت الطبعة الأولى من كتاب "قضايا المياه عند العرب قديما" للدكتور عبدالحميد سلامة عام 1424/ 2004، وأصل الكتاب أطروحة دكتوراه نوقشت في كلية الآداب في تونس عام 2002، ويقع الكتاب في 548 صفحة، وصدر عن دار الغرب الإسلامي.
وذكر المؤلف عن دواعي البحث والتأليف، أن "الوضع المائي الحالي في المنطقة العربية، هو الذي أثار فينا رغبة ملحة في الرجوع إلى الماضي لمعرفة الوضع المائي العربي السائد آنذاك، ومدى ارتباطه بموقع المنطقة العربية، الجغرافي والطبيعي والمناخي، وكيفية تعامل العرب القدامى معه، وما طرحه عليهم من قضايا طوال القرون السابقة، وما خلفه لديهم من آثار في حاضرهم ومستقبلهم، فحاضر أمة من الأمم ومستقبلها لا يمكن أن يدرسا بعيدا عن ماضيها، ولا سيما إذا كان هذا الماضي عبئا عليها في مثل هذه الحالة التي ندرسها، بسبب موقع المنطقة العربية غير الملائم، كما سنبين لاحقا، فهذا الموقع هو الذي يتحكم في نظام التساقطات ومواسم الخصوبة والقحولة منذ القديم إلى اليوم، وله انعكاسات مباشرة على حياة الناس في كل الأزمان. وحرصا منا على تحقيق رغبتنا في معرفة ماضي العرب المائي، عزمنا على أن نتقدم بدراسة حول قضايا الماء عند العرب قديما". ويذكر الدكتور سلامة أن الإطار الزمني الذي يغطيه كتابه يمتد 11 قرنا، ينطلق من الجاهلية وينتهي عند القرن الـ11 الهجري. ويوضح الكتاب قضايا الماء الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية.
قسَّم المؤلف كتابه إلى مدخل عام وأربعة أبواب، ينقسم كل باب فيها إلى ستة فصول، وجاءت على حد تعبيره كالآتي:
المدخل العام: منطلق لتحديد جغرافية المنطقة العربية وتقديم وضعها الطبيعي والمناخي. الباب الأول: تناول قضايا الماء في تاريخ العرب وعاداتهم بالحديث عن أثر الماء في توجيه حياة السكان سواء بانقسامهم إلى بدو وحضر، أو باعتمادهم على الإبل في كل شؤونهم أو في معاناتهم العطش ومغامراتهم بحياتهم في سبيل الظفر بشربة ماء، وما يلقونه من جهد في خزنه واقتسامه. وتحدث المؤلف عن تراثهم من الأساطير وعلاقاتهم بالأحاديث التي لها صلة بالماء قبل الإسلام. ثم استعرض حادثتين مشهورتين تتعلق الأولى بانفجار بئر زمزم وما استأثرت به من بركة وقداسة عند العرب، وتتعلق الثانية بانهيار سد مأرب والمآسي المنجرة عنه اقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا. يقول المؤلف "وإذا كان العرب قد احتفظوا بأطيب الذكريات عن انفجار بئر زمزم وما حملته لهم هذه البئر من بركات، فإنهم قد احتفظوا بأسوأ الذكريات عن خراب سد مأرب والمآسي التي انجرّت عنه". ويبين المؤلف في هذا الباب دور الماء والمرعى في أيام العرب وحروبهم، كما تحدث عن مظاهر الإيثار والجود والماء، وعن الطابع الاجتماعي الذي اتخذته حاجة الإنسان إلى الاستسقاء، وعن تنافس العرب في بناء السقايات والأسبلة في المدن والطرقات. وأورد مشكلات الماء التي اصطدم بها العرب عند تأسيس المدن وتعميرها كما حدث لهم في البصرة والكوفة والقيروان. وتتبع منزلة المطر عند العرب من خلال نظرتهم إلى الأحوال الجوية.
الباب الثاني: بيان مقام الماء في التشريع الإسلامي، والمنزلة التي خص بها الإسلام الماء في القرآن والعبادات، وبيان موقف الإسلام من ملكية الماء، وإحياء الأراضي الموات، وتنويع الزكاة والخراج تبعا لتنوع وسائل الري، وتنظيم توزيع الماء على الأراضي الزراعية، وتناول بالتحليل والتعليل مشكلات اقتسام الماء في الواحات والأفلاج، ومواقف الفقهاء من اشتراك بيت المال وأهل الخراج في القيام بأشغال الصيانة والإصلاح.
الباب الثالث: قضايا الماء في الفلاحة، سواء ببيان المتاعب التي لحقت بالعرب في بناء المنشآت المائية وتعهدها بالصيانة والإصلاح، أو ببيان هشاشة الوسط الطبيعي في الواحات، وضيق المساحات الصالحة للزراعة، أو ببيان الانعكاسات السيئة لهجرة الأيدي العاملة المختصة، ولآثار الفتن والثورات والحروب.
الباب الرابع: الأزمات والكوارث الناتجة عن قلة الماء وكثرته، وذلك باستعراض معجم الجدب والقحط في اللغة العربية، وما أفصح عنه العرب من تجربة مريرة مع قلة الأمطار والظمأ والجوع، وصدى ذلك في لغتهم وشعرهم ونثرهم. وتحدث عما كان يصحب هذه الأزمات من تبعات اجتماعية واقتصادية وديمغرافية ثقيلة تدفع الناس إلى البحث عن تبريرات لممارساتهم أو القيام بردود فعل يائسة. كما استعرض أشهر السيول التي ألحقت أضرارا جسيمة ببعض المدن العربية في الممتلكات والمرافق والأرواح، وتتبع آفة العطش عند الحجيج في الطرقات المؤدية إلى الأماكن المقدسة وما كان يوجد في هذه الطرقات من خلل في توزيع الآبار، ومن عيوب في نوعية الماء.
بذل المؤلف جهدا كبيرا في كتابه، واستعرض كتب التراث العربي، واستخرج منها كل ما يخص موضوع كتابه، فجاء بمعلومات مهمة ونادرة وطريفة. ويذكر أن العرب ابتكروا طرقا وحيلا للتغلب على قلة الماء والعطش، واستنبطوا بعض الحلول لخزن الماء للأوقات العصيبة. ويذكر من هذه الطرق حفظ الماء في بيض النعام، وفي بطون الرواحل. "واشتهر أحد صعاليك الجاهلية وهو السليك بن السلكة بهذه الطريقة في حفظ الماء، فكان إذا أقبل الشتاء يستودع في بيض النعام ماء المطر ويدفنه في بعض المغارات، حتى إذا حل الصيف وانقطعت إغارة الخيل أغار على اليمن، وكان أدل من قطاة، يجيء فيقف على البيضة ويستثيرها".
ومما ذكره أن العرب إذا اشتد بهم العطش ولم يعثروا على ماء يلاحقوا طير القَطَا، وذلك للاستدلال به على منابع الماء، ويعرفون أن القطا عثر على الماء إذا أرخى جناحيه أثناء الطيران. وفي مبحث آخر يتناول المؤلف أيام العرب وحروبهم في الجاهلية التي كان للماء سبب فيها، ويذكر أن العرب استخدموا سلاح الماء كثيرا في قتالهم، ويرى أن الماء مفتاح النصر. وفي خاتمة الكتاب يوضح الدكتور سلامة أن العرب "لم يكونوا محظوظين مع الماء، لوجودهم في منطقة جغرافية تعرف بشدة الحرارة والجفاف وقحولة أراضيها وتملحها وفقر التربة وسرعة تدهورها وهشاشة غطائها النباتي وقلة مواردها المائية وندرة أمطارها وعنفها وعدم انتظامها زمنا ومكانا". وبدورنا نتمنى أن يكون مستقبل العرب مع الماء أكثر حظا، وأن يبذلوا جهودا أكبر في الحفاظ عليه وتوفيره.
ومن المعلومات التي أوردها المؤلف أن 97 في المائة من مياه الأرض مالحة، وكلامه يتفق مع تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" بعنوان "نحو إدارة مختلفة للماء" جاء فيه "الماء أكثر المواد شيوعا وانتشارا على سطح الأرض. لكن 97 في المائة منه ماء بحار، والماء المالح غير صالح للاستخدام البشري. ومن النسبة الباقية البالغة 3 في المائة، ثلثان مجمدان في القطبين الشمالي والجنوبي. ولا يبقى من مياه الأرض إذن سوى 1 في المائة متاح ليستهلكه البشر. وهذا الـ1 في المائة من مياه الكرة الأرضية يجب أن يكفي البشرية كلها".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق