المشراق

فتاة النيل.. أسطورة فرعونية تغنى بها شوقي وكذبها العقاد

فتاة النيل.. أسطورة فرعونية تغنى بها شوقي وكذبها العقاد

فتاة النيل.. أسطورة فرعونية تغنى بها شوقي وكذبها العقاد

فتاة النيل.. أسطورة فرعونية تغنى بها شوقي وكذبها العقاد

هناك مقولة جاء فيها "وخراب مصر من جفاف النيل". حمى الله مصر وبلادنا وأرضنا وعالمنا من الخراب. صاحب المقولة قد فطن إلى أهمية نهر النيل في حياة مصر والمصريين، ولعله قد استشف ذلك من مقولة هيردوت الشهيرة "مصر هبة النيل"، وقد أشار عدد من مؤرخي مصر وجغرافييها إلى أنها بلد قليل الأمطار، وهذا ما يزيد من اعتماد أهلها على النيل. وكل هذا يعيدنا إلى قول الله جل وعلا "وجعلنا من الماء كل شيء حي". ولنهر النيل ذكر خالد وعريض في تاريخ الإنسانية، وسنأتي على طرف يسير من هذا الذكر، يتعلق بقصة فتاة النيل، التي تدل على خوف أهل مصر من جفاف النيل، وعدم جريانه، وما يترتب عليه من القحط.

فتاة النيل

يقول الشاعر أحمد شوقي في قصيدته "أيها النيل":
ونجيبة بين الطفولة والصبا
عذراء تشربها القلوب وتعلق
كان الزفاف إليك غاية حظها
والحظ إن بلغ النهاية موبق
لافيت أعراسا ولافت مأتما
كالشيخ ينعم بالفتاة وتزهق
في كل عام درة تلقى بلا
ثمن إليك وحرة لا تصدق
حول تسائل فيه كل نجيبة
سبقت إليك متى يحول فتلحق
والمجد عند الغانيات رغيبة
يبغى كما يبغى الجمال ويعشق
إن زوجوك بهن فهي عقيدة
ومن العقائد ما يلب ويحمق
وأمير الشعراء يشير في هذه الأبيات إلى قصة شهيرة هي مدار حديث اليوم.
هناك خبر شهير في كتب التاريخ العربي يفيد بأن أهل مصر قبل الإسلام كانوا يقدمون إلى نهر النيل فتاة جميلة قربانا، حتى يستمر في جريانه ولا يجف، وسأنقل رواية أبي القاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالحكم "ت 257" صاحب كتاب "فتوح مصر"، لأنه على الأغلب هو أول من رواها، وجاء فيها أن "أهل مصر جاءوا إلى عمرو بن العاص حين دخل "بؤونة" من أشهر العجم، فقالوا له أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلا بها، فقال لهم وما ذاك؟ قالوا إنه إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل فيجري، فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا "بؤونة" و"أبيب" و"مسرى" لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر (قد أصبت إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل، إذا أتاك كتابي)، فلما قدم الكتاب على عمرو، فتح البطاقة فإذا فيها (من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك)، فعرّفهم عمرو بكتاب أمير المؤمنين وبالبطاقة، ثم ألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجري 16 ذراعا في ليلة، وقطع الله تلك السنّة السوء عن أهل مصر". وقد وردت القصة في كثير من مصادر التراث العربي، وتناقلها كثير من كبار العلماء والمؤرخين، ولم أر أحدا منهم يضعفها، حسب اطلاعي. ومن أوائل الذين شككوا في صحتها في العصر الحديث الأديب عباس العقاد في كتابه "عبقرية عمر" إذ يقول "والرواية على علاتها قابلة للشك في غير موضع عند مضاهاتها على التاريخ"، ولم يورد أي دليل على ضعفها. كما تنكر الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها "القاهرة في حياتي" صحة القصة، إلا أنها تضيف أن "بلوتراك ذكر أن إيجيبتوس ملك مصر أراد اتقاء كوارث نزلت بالبلاد فأشار إليه الكهنة بإلقاء ابنته في النيل ففعل، ثم ألم به ندم شديد فألقى بنفسه في النيل فهلك مثلما هلكت". لكن هناك من يؤكد صحة القصة من المتخصصين في الحضارة والتاريخ الفرعوني مثل الدكتور أحمد سعيد، والدكتور عادل عبدالعزيز.
وهناك بعض الباحثين المعاصرين من المهتمين بعلم الحديث والجرح والتعديل يرى عدم صحة قصة "فتاة النيل" بسبب ضعف إسنادها، لوجود عبدالله بن لهيعة فيه، وهو ضعيف عند علماء الجرح والتعديل. لكن من المعروف أن كبار علماء الحديث والجرح والتعديل قديما وحديثا لا يتشددون في نقد أسانيد القصص والأخبار بمثل ما يدققون في أحاديث الرسول -عليه السلام-. قد تبدو القصة غريبة، لكن عالمنا مليء بالغرائب.
أما الأشهُر "بؤونة وأبيب ومسرى" الوارد ذكرها في القصة فهي حسب الترتيب الشهر الـ10 والـ11 والـ12 من السنة القبطية المصرية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق